في خضم التحولات العميقة التي يشهدها الواقع السياسي الإقليمي والدولي، يبدو أن الحاجة إلى مراجعة المفاهيم التي شكّلت خطاب الأنظمة السياسية لم تعد ترفاً فكرياً، بل ضرورة استراتيجية تفرضها تعقيدات المرحلة.
فالتاريخ السياسي الدولي المعاصر، منذ بداياته الأولى وحتى اللحظة، كان دائماً متشابكاً مع سرديات كبرى شكّلت الهوية والموقف والرؤية، من أبرزها مفاهيم مثل “العدو”، “الصديق”، “الثابت”، “المتغير”، وخصوصاً “المعارضة” بوصفها فاعلاً مركزياً في المعادلة السياسية.
ضعف الخطاب السياسي الرسمي السابق وتكلّسه المفاهيمي، وعجزه عن تجديد أدواته ورؤاه، أسهم في ترسيخ أطر سياسية جامدة لا تستوعب التحولات الجوهرية في طبيعة الصراع، بل على العكس، تكرّس توازناً وهمياً مع منظومة استعمارية متجددة، تمتلك القدرة على التكيّف، بينما بقي خطاب ذاك النظام أسير مفاهيم جامدة، غير قادرة على إنتاج معنى جديد أو استراتيجية فاعلة.
هذه المفارقة الخطيرة هي التي جعلت النظام البائد يدور في حلقة مفرغة، فلم يفهم التحولات الجديدة ودخل في صدام مع الشعب الذي كان في غالبيته ضد ممارساته الإجرامية، وهو ما جعل المعارضة له أكثر اتصالاً بالواقع من السلطة ذاتها.
فكانت النتيجة أن سقط النظام في هاوية محدودية الفهم والتجدد، وانتصرت ثورة المعارضة التي استوعبت التحولات، ورأت أن المستقبل القادم لصالحها، حتى نالت أهدافها.
ما يجري اليوم لسوريا الجديدة من توجهات سياسية معاصرة دليل على صحة الرؤية، حيث تفتح الأبواب أمامها لحل مشكلات البلاد وإزالة عوائق وعوالق النظام الساقط، فالانفتاح الغربي الأوروبي والأميركي لتوجهات القيادة السورية الجديدة خير دليل على هذا التحول الهام الذي تعيشه البلاد، وما زيارة وفد سوري (سياسي واقتصادي) إلى الولايات المتحدة الأميركية إلا أول الغيث.
وكلنا أمل وثقة بأن هذا التحرك سيتعزز بتحركات واتصالات قادمة تسهم في رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا، ويتحقق اندماج سوريا بالنظام المالي العالمي وكذلك بالنظام السياسي الدولي.

السابق