الثورة – مها دياب:
في خطوة تعتبر الأهم منذ سنوات في معالجة ملف المفقودين، صدر المرسوم رقم 19 لعام ٢٠٢٥ القاضي بإنشاء “هيئة المفقودين” كجهة رسمية مستقلة تعنى بتوثيق حالات الاختفاء والكشف عن مصير الضحايا.
ويأتي هذا القرار استجابة لمطالبات عائلات المفقودين ومنظمات حقوق الإنسان التي ظلت تنادي بحلول عملية لهذه القضية الإنسانية الملحة.
المحامي زاهد زيادة، أوضح في تصريح لـ”الثورة” أن المرسوم “يعد نقلة نوعية في التعاطي الرسمي مع الملف”، مشيراً إلى أنه “لأول مرة يتم إنشاء هيكل مؤسسي متخصص يعترف بحق العائلات في معرفة مصير ذويهم المفقودين.
بعد إنساني
ويؤكد المحامي زيادة أن معاناة عائلات المفقودين تتجاوز الجانب القانوني، إذ يترك الغموض حول مصير أحبائهم أثاراً عميقة على استقرارهم النفسي والاجتماعي، لذلك فإن كشف الحقائق ليس فقط واجباً قانونياً، بل التزاماً إنسانياً لتخفيف معاناتهم، كما أن تقديم الدعم الرسمي للعائلات يعد خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة الانتقالية.
ويشدد على ضرورة توافق أي تشريع مع المعايير الدولية، خاصة الحق في كشف الحقائق، التي تكفل للعائلات معرفة مصير المفقودين، كما يجب أن تتضمن آليات التنفيذ تحقيقات واضحة وشفافة، تضمن وصول المعلومات الدقيقة للجهات المعنية، مع إشراك منظمات حقوق الإنسان لتعزيز المصداقية.
يبرز المحامي زيادة أهمية إدراج ضوابط صارمة للشفافية، مثل: إلزام الجهات الرسمية بالإفصاح عن نتائج التحقيقات، محاسبة المقصرين في توفير المعلومات، إنشاء هيئات مستقلة للإشراف على سير التحقيقات، مبيناً أن هذه الآليات تعزز ثقة المجتمع وتضمن نزاهة التحقيقات.
ودعا إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية، للاستفادة من خبراتها في عمليات البحث، واستخدام التقنيات الحديثة كقواعد البيانات وأنظمة GIS لتحديد مواقع المفقودين بدقة، واستخدام التقنيات الحديثة في الكشف وتحديد هوية الأشخاص خاصة في المقابر الجماعية.
ولفت إلى أن دعم العائلات يعد ركناً أساسياً في أي تشريع، عبر توفير برامج إرشاد نفسي، وإنشاء شبكات دعم مجتمعية، وشدد زيادة على التعويض المادي والمعنوي للعائلات، فالتعامل مع تداعيات الفقدان يتطلب رعاية مستدامة.
ويركز المحامي زيادة على ضرورة وجود هيكل تنفيذي واضح، يشمل: تكوين لجان وفرق متخصصة مدربة على التحقيق في قضايا المفقودين، استخدام التكنولوجيا لتحليل البيانات، وإشراك العائلات في عملية المتابعة عبر قنوات اتصال دائمة.
وأكد أن معالجة قضية المفقودين ليست اختيارية، بل مسؤولية قانونية وإنسانية، فاعتماد تشريع متكامل يجمع بين الضمانات القانونية والدعم النفسي والشفافية هو الطريق الوحيد لتحقيق العدالة وإنهاء معاناة آلاف الأسر.
وأوضح أن القضية تتطلب تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية، لأنها تمثل اختباراً حقيقياً لالتزام الدولة بحقوق الإنسان وقدرتها على مواجهة إرث الانتهاكات الماضية.
تعزيز قانوني
وفي السياق ذاته اعتبر المحامي فرحان برجاس أن هذا المرسوم يشكل خطوة إيجابية تجاه قضايا المفقودين، خاصة في ظل التحديات القانونية المرتبطة بالتصرف في أموالهم، وإن عدم وجود أهلية قانونية كان يشكل عقبة أمام العائلات، وهو الأمر الذي تفاقم بسبب قضايا النصب والتزوير التي أدت إلى وقف التصرف بهذه الأموال.
وأشار إلى أن القانون السوري ينص على اعتبار الشخص متوفى في حال غيابه لمدة أربع سنوات في فترة النزاعات والحرب، بدءاً من تاريخ تنظيم ضبط الفقدان، وبالتالي فإن أي جهود رسمية لكشف الحقيقة وتقديم الدعم للعائلات تعد خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة.
وشدد المحامي برجاس على ضرورة تمثيل الهيئة من جميع الجهات لضمان التعامل مع الجميع على قدم المساواة، مؤكداً على أهمية صدور قانون ينظم شؤون المفقودين وعائلاتهم بانتظار المعلومات التنفيذية المنتظرة التي ستكون ضرورية لتحديد آليات العمل وضمان تطبيق القانون بفعالية.