الثورة – مها دياب:
بعد سنوات من الصراع والمعاناة، وجدت سوريا نفسها أمام لحظة فارقة في تاريخها، إذ باتت الحاجة ملحّة لتحقيق العدالة الانتقالية وضمان إنصاف الضحايا ومحاسبة الجناة..
فلم يعد السؤال مجرد افتراض نظري، بل أصبح واقعاً ملموساً مع إنشاء هيئة العدالة الانتقالية التي تحمل على عاتقها مسؤولية معالجة إرث الماضي، ورسم مسار جديد نحو مستقبل أكثر استقراراً.
ولكن هل تمتلك الهيئة الأدوات الكافية لتنفيذ مهامها بفعالية؟ .وهل ستكون قادرة على تحقيق العدالة المنشودة من دون أن تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات؟ .
خاصة في ظلّ التحديات السياسية والقانونية والاجتماعية، ويبقى النجاح مرهوناً بقدرة الدولة والمجتمع على التفاعل البناء مع هذا المسار، بعيداً عن الانقسامات والخلافات التي قد تعرقل تقدّم البلاد نحو المصالحة والسلام.
الباحث الاجتماعي محمد البيطار في حديثه لـ”الثورة”، يرى أن تأسيس هذه الهيئة يمثل خطوة مهمة نحو المصالحة الوطنية، مشدداً على أن العدالة الانتقالية يجب أن تُدار بآليات شفافة، تمنح الضحايا حقّهم في معرفة الحقيقة، وتتيح للمجرمين فرصة الدفاع عن أنفسهم ضمن إجراءات قانونية عادلة.
وأشاد بتصريح رئيس الهيئة عبد الباسط عبد اللطيف، الذي أكد فيه أن الهدف الأساسي ليس الانتقام، بل ضمان وسيلة لكشف الحقيقة والمحاسبة وعدم تكرارالجرائم وترسيخ قيم العدالة في المجتمع.
تحديات
ويرى البيطار أنه بالرغم من أهمية إنشاء الهيئة، فإن هناك تحديات كبيرة تعترض طريقها، من أبرزها غياب مؤسسات قضائية مستقلة وقادرة على التعامل بموضوعية مع الملفات المطروحة، لابدّ من ضرورة أن تبقى مسؤولية تنفيذ العدالة بيد الدولة، كونها الطرف الوحيد الذي يمتلك الحق الحصري في محاسبة الجناة وضمان عدم انجرار البلاد نحو عمليات ثأر فردية.
وعلى المستوى الأخلاقي والاجتماعي، يرى البيطار أن السوريين يواجهون اليوم خيارات صعبة، إذ تزدحم المشاعر بين الحزن والرغبة في استعادة الحقوق، وبين المطالبة بدماء أحبائهم أو اعتبارهم شهداء والمضي قدماً نحو المصالحة الوطنية.
وهنا يأتي دور الهيئة الهام والمؤثر في إيجاد توازن بين إنصاف الضحايا والحفاظ على استقرارالمجتمع، بحيث تُمنح الحقوق لأصحابها من دون أن يؤدي ذلك إلى مزيد من العنف والانقسام.
دروس مستفادة
ويشير إلى تجربتي جنوب إفريقيا ورواندا كنموذج يحتذى به، إذ لعبت لجنة الحقيقة والمصالحة دوراً محورياً في تجاوزإرث الفصل العنصري دون الانزلاق إلى دوامة الانتقام، وركزت على كشف الحقيقة والاعتراف بالانتهاكات، لتجاوز الماضي وتحقيق الاستقرار، معتبراً أن سوريا يمكن أن تستفيد من هذه التجارب لضمان انتقالها إلى العدالة والاستقرار من دون تفكك مجتمعي.
وختم الباحث الاجتماعي قوله: إن العدالة الانتقالية تعد مفتاحاً أساسياً لبناء مستقبل أكثر استقراراً في سوريا، إذ يمكن أن تمثل جسراً يربط بين آلام الماضي وآمال المستقبل، ومع التزام الدولة بتفعيل دور هيئة العدالة الانتقالية وتحقيق المحاسبة العادلة، يصبح الأمل في المصالحة الوطنية واقعاً ممكناً وليس مجرد فكرة بعيدة المنال..
فبإرادة قوية ورؤية واضحة، يستطيع السوريون تجاوز المحن واستعادة الثقة في المؤسسات، ليكون هذا المسار نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة يسود فيها القانون، وتتحقق فيها العدالة للجميع، بعيداً عن مظاهر الانتقام والانقسام.