اللاجئون السوريون بين ضياع الهوية وأمل التكيّف

 

إيمان زرزور – كاتبة صحفية:

منذ بدء الحراك الشعبي في سوريا عام 2011، واجه السوريون حرباً شاملة طالت البشر والحجر، وأجبرت الملايين من السوريين على ترك مدنهم وقراهم وبلداتهم، باحثين عن ملاذ آمن، فتوزع الملايين في شتات الداخل والخارج، ووصل السوريون لعشرات الدول في شتى أصقاع الأرض من شرقها إلى غربها، باحثين عن سقف منزل يحميهم وأمان فقدوه في وطنهم الأم.

لم يكن اللجوء خياراً بل اضطراراً، ومع مرور أكثر من عقد ونصف، لا تزال تبعاته ترخي بثقلها على ملايين السوريين الذين غادروا منازلهم حفاظاً على حياتهم، ليجدوا أنفسهم أمام تحدّيات لا تقلّ قسوة عن ويلات الحرب ذاتها، فبين معاناة الاندماج في المجتمعات الجديدة، وضياع الهوية، يعيش اللاجئ السوري حالة مركّبة من الخوف، والحزن، ومحاولات التكيّف المستمرة.

بحسب تقارير أممية، تجاوز عدد السوريين الذين غادروا منازلهم منذ بدء الأزمة 13 مليوناً، منهم أكثر من 6 ملايين لاجئ توزّعوا على عشرات الدول، وواجهوا في مجتمعاتهم الجديدة سلسلة تحديات مركبة، تبدأ من صعوبة تعلم اللغة المحلية، ولا تنتهي بضعف الاندماج، وصدمات الهوية والتمييز الثقافي.

وجد اللاجئون أنفسهم في بيئات لغوية معقدة، كالألمانية والتركية والسويدية … إلخ، ما جعل من تعلم اللغة شرطاً أساسياً للحصول على فرصة عمل، أو متابعة الدراسة، أو فهم الحقوق القانونية، هذا الحاجز اللغوي عزّز من العزلة الاجتماعية، وخلق فجوة بين اللاجئ والمجتمع المضيف.

صُدم كثير من اللاجئين باختلاف العادات والتقاليد، إذ بدت لهم المجتمعات الغربية “غريبة” في تفاصيلها اليومية، كما نُظر إليهم في بعض الأحيان بسوء فهم أو تحفظ، لا سيما في قضايا اللباس أو العلاقات الأسرية، هذه الفجوة الثقافية رافقها تمييز في فرص العمل والتعليم وحتى المعاملات اليومية، ما انعكس سلباً على ثقة اللاجئين بأنفسهم، وأدّى إلى مزيد من العزلة والانكماش الاجتماعي.

داخل الأسرة، تبدلت الأدوار بشكل دراماتيكي، فالأب بات غريباً في قوانين لا يتقنها، والابن أصبح مترجماً ومفاوضاً باسمه، بينما تكافح الأم للحفاظ على قيمها وهويتها التربوية في بيئة مختلفة كلياً.

أما الأطفال، فهم يركضون نحو هويات جديدة بلغة غير التي نشؤوا عليها، ويتأقلمون مع ثقافات قد تكون بعيدة عن إرثهم العائلي والديني، في وقت تتراجع فيه اللغة العربية وتخبو معها ملامح الانتماء والعودة.

ورغم ما سبق، فإن الغربة لم تكن فقط فصلاً من المعاناة، بل كانت أيضاً مسرحاً للنجاح بالنسبة لكثيرين، آلاف السوريين أعادوا بناء حياتهم، ونجحوا في الدراسة، وحققوا إنجازات في مجالات الطب والهندسة والفنون، وأسّسوا مجتمعات صغيرة تحافظ على هويتهم وتنقل الحنين كقوة محركة للنهضة.

يرى خبراء الهجرة والاندماج أن التعامل مع قضية اللاجئين يجب أن يتجاوز حدود المساعدات الطارئة، ليصل إلى مستوى دعم الهوية وتسهيل الاندماج دون محو الخصوصية الثقافية، فالتعليم، والدعم النفسي، والسياسات الشاملة التي تحترم الجذور، تشكّل حجر الأساس لبناء مجتمعات أكثر احتواءً.

اليوم، يعيش اللاجئ السوري بين هويتين: واحدة حملها من وطنه، وأخرى يحاول تبنيها في أرضٍ جديدة لا تعترف به دوماً، وبين هذا وذاك، لا تزال ذاكرته مثقلة بركام منزل، وحكاية فقد، وصوت جدّة كان يُطمئنه قبل النوم.

ومع كل ما تحمله الغربة من ألم وصمت طويل، يظلّ اللاجئ إنساناً قادراً على التكيّف، على ترميم ذاته، وعلى أن يصنع من ألمه شجرة مثمرة، ففي قلب كل لاجئ وطن صغير لا يُقصف، ولا يُحتل، ولا يُنسى… وطن اسمه سوريا.

آخر الأخبار
زيارة الرئيس الشرع للبيت الأبيض.. تحوّل المسار السوري وتوازنه إقليمياً ودولياً تصريحات أميركية بعد اجتماع الشرع مع ترامب بعد دقائق من دخول الشرع إلى "البيت الأبيض".. الخزانة الأميركية تصدر قراراً مهماً  مركز للتصوير بالأمواج فوق الصوتية في مركز الأورام بمستشفى اللاذقية الجامعي  الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق أجندة ترامب الشرق أوسطية.. لماذا زار الشرع واشنطن قبل صفقة بن سلمان الكبرى؟ بسلاح الحجة والعقلانية.. الرئيس الشرع يفرض الحوار من أجل إلغاء قانون "قيصر" خلال أقل من عام.. كيف أوصل الشيباني سوريا إلى مكاتب "البيت الأبيض"؟ "رويترز".. هل باتت الوكالة البريطانية الوسيلة الأخيرة لترويج تنظيم "داعش" في سوريا؟ ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد