دير الزور.. صبغة المجتمع العشائري الخانقة

رامي الفرحان

لم يكن اهتمام  الاستخبارات العالمية عبر بعض المنظمات الدولية، منذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة السورية، إلى الدخول إلى مجتمع دير الزور، وإجراء دراسات تشريحية دقيقة للنسيج العشائري في دير الزور أمراً طبيعياً أو روتينياً، وإنما كان هناك هدف ما تحمله هذه التحركات ، هذا الاهتمام كان مفاجئاً وفي غير موضعه لشباب الحراك الثوري، في مرحلة اشتدت فيها المواجهة بين الثوار ونظام الأسد حيث انقسم المجتمع إلى فئتين موالٍ ومعارض دون أي انتماء ضيق آخر.
تاريخياً حوّل نظام الأسد (الأب والابن) العشيرة ، عبر أدواته وأساليبه الخاصة، إلى أداة دعم لوجوده، خلال عقود من الزمن، عن طريق تسطيح المفهوم الحقيقي للعشيرة، وتقريب البعض من شيوخ العشائر منه عبر بوابة البرلمان بدعم من رؤساء الفروع الأمنية ما تسبب بشرخ داخل بيوت المشيخة ذاتها، ليستطيع بذلك التحكم بمجتمع بأكمله، عن طريق إعطاء هؤلاء الشيوخ والوجهاء، بعض الامتيازات، وخاصة الأمنية، وغالباً تتعلق بالتوسط لدى الدولة لإخراج سجين، أو تيسير أوراق أياً كان نوعها، لتنتقل هذه العلاقة المتعدية من رأس النظام إلى شيخ العشيرة عبر أحد رؤساء الفروع الأمنية وصولاً إلى العشيرة مستغلاً القبول والكلمة المسموعة للشيخ لدى أفراد عشيرته.

مع اندلاع الثورة السورية، حدثت الانقسامات في العشيرة الواحدة، وهنا برز الدور الذي عمل على إرسائه نظام الأسد لعقود والخاص بدور شيخ العشيرة في السيطرة على أفراد عشيرته بإيعاز من النظام لعدم إقحام أنفسهم في الثورة السورية التي هددت وجوده، فعمل عدد من شيوخ عشائر دير الزور وغيرها من المناطق  على تهدئة أفراد العشيرة، على الأقل في الأشهر الأولى من انطلاق الثورة السورية، إلا أننا نستطيع القول إنهم فشلوا في إتمام المهمة على أكمل وجه، حيث كانت الثورة أكبر من مفهوم العشيرة، وخرجوا عن جلباب عشائرهم ثائرين على النظام الأسدي.
كانت العشيرة بعيدة عن المشاركة السياسية كما أسلفنا، وتقتصر مشاركتها على أشخاص هم بعض الشيوخ، ورغم ما يُعرف عن المجتمع في دير الزور من تركيبة عشائرية متماسكة، فإن العشيرة لم تلعب دوراً فاعلاً في توجيه مسار الثورة السورية أو ضبط الحالة الأمنية والاجتماعية في المنطقة، بل على العكس، ساهمت بعض الممارسات المرتبطة بالنزعة العشائرية في تعقيد المشهد، فكان من الممكن أن تكون العشيرة جسراً للاستقرار وضبط النفس وتوجيه الطاقات نحو التغيير السلمي، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك في عدد من الحالات، فقد ترافقت حالة الفراغ الأمني مع تغذية النزعة العشائرية بشكل منفلت، لاسيما بعد انتشار السلاح بأيدي أفراد لا يخضعون لسلطة مركزية، ما أدى إلى تحوّل المناطق، خصوصاً الريفية، إلى ساحات اشتباك مفتوحة، ليس فقط مع النظام، بل في كثير من الأحيان بين أبناء العشائر أنفسهم.
لم تعد العشيرة تُستخدم كمرجعية لحل النزاعات أو لحقن الدماء، بل باتت أداة تُستدعى عند كل خلاف لتغذي الانقسام والتنافس الداخلي، الأمر الذي عزز من تفكك النسيج الاجتماعي بدل توحيده في مواجهة الاستبداد، فالطابع العشائري المتداخل لمجتمع دير الزور، حيث تتشابك صلات القربى والنسب والمصاهرة، جعل من تطبيق القوانين أمراً بالغ الصعوبة، إذ غالباً ما تتدخل العلاقات الشخصية والانتماءات العشائرية في مسار العدالة، ما يُضعف المؤسسات الرسمية ويمنح الأفضلية لحلول تعتمد على القوة والنفوذ العشائري.
هذا الواقع أضعف من هيبة القضاء وساهم في إرساء منطق “الحماية بالعشيرة”، لا بسيادة القانون، حتى القوى الثورية أو الفصائل المعارضة، لم تستطع الخروج من هذا السياق، بل في أحيان كثيرة تماهت معه أو استثمرته لتعزيز سلطتها، ما عمق الأزمة وفوّت على المنطقة فرصة بناء نموذج حوكمي مدني حقيقي.
لذلك فإن أي قراءة للواقع  الذي يستند إلى متابعة دقيقة للمجتمع الديري وملامسة واقعية لتأثير العشائرية عليه، يرى أن من الصواب البناء بشكل صحيح على دور العشيرة في دير الزور، باعتبارها لبنة أساسية في تكوين هذا المجتمع. ويجب توجيه هذا الدور ليكون أداة للصلح المجتمعي، مع ترسيخ المفهوم الحقيقي لشيخ العشيرة، بحيث يكون دوره نابعاً من سعيه إلى حل النزاعات ذات الطابع العشائري تحت مظلة قوانين الدولة.
كما ينبغي الدفع باتجاه تمكين المتعلمين والمثقفين من أبناء العشيرة للمشاركة في المشهد السياسي والمدني، بما يساهم في تفعيل الدور الحقيقي والإيجابي للعشيرة، ويجعل تأثيرها أكثر نضجاً وفعالية على مستوى محافظة دير الزور.
بهذا التوجه، يمكننا الوصول إلى تمثيل حقيقي وصحيح للمحافظة، بعيداً عن الصور النمطية، وضمان تقديم صورة مغايرة لما حاول نظام الأسد ترسيخه لعقود، حين اختزل دير الزور في كونها مجرد مجتمع عشائري تقليدي يقوده شيوخ لا يمثلون بالضرورة كفاءاتها الحقيقية.

آخر الأخبار
مبعوث ترامب: تفجير كنيسة مار إلياس اعتداء على كل السوريين    الركام شاهد على الغياب.. المدن السورية بين الدمار وغياب مقومات الحياة   عودة محافظ السويداء وسط مساعٍ لاحتواء التوترالأمني وتعزيزالتواصل  مفتاح الخروج من شح السيولة والتضخم.. السلوم لـ"الثورة": العملة الرقمية لم تعد ترفيهاً بل ركيزة  ثروة فريدة خسرتها سوريا.. والآن جاء دور الجفاف  مخاوف من تراجع الثروة الحيوانية في تغيرات المناخ وف... هل يصبح الإعلامُ شريكاً في بناء الاقتصاد الوطني؟ إخماد حريق بمستودع غاز في حي العريض بطرطوس  الشرع يتلقى اتصالاً من نظيره اللبناني للتعزية بضحايا الهجوم الإرهابي بدمشق الداخلية: الخلية الإرهابية التي نفذت تفجير الكنيسة تتبع لـ"داعش" والقبض على  أفرادها "الإسكان" وتوجه جديد.. التخطيط سابق للتنفيذ صناعيو السيراميك يواجهون مشكلة إغراق السوق بالمستوردات والمهربات افتتاح ثلاثة مراكز غداً..  عودة المؤسسة السورية للبريد إلى إدلب بعد انقطاع عشر سنوات    إطلاق مؤتمر "كارلتون" في إدلب.. انطلاقة استثمارية جديدة في المدينة محافظ إدلب يزور قرى ريف معرة النعمان الشرقي لتفقد أوضاعها بحضور شعبي واسع.. تشييع جثامين ضحايا التفجير الإرهابي بدمشق وزير الأوقاف يزور مصابي تفجير كنيسة مار إلياس في " إكسبو" وبعد الغياب.. شركات الشمال .. الحضور القوي والعلامة الفارقة طلاب السويداء ينهون امتحان الاجتماعيات في أجواء هادئة تلقيح 60 طفلاً في الريف الشرقي بحمص جنود إسرائيليون يعتدون على منظومات الطاقة في بلدة جملة