الثورة – عبير علي:
عرفناه عن كثبٍ، كان مقرباً من زملائه، ولا حديث يهواه إلا حكايا اللون وتطويع الحبر في خدمة القضايا العالقة في اللوحة التشكيلية، لإيصال رسالته السامية..
آلاف اللوحات التشكيليّة، حصيلة التجربة الفنية للفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي الزميل أديب مخزوم، تجربة شهدت خمسين عاماً من التحوّلات والانعطافات على الصعيدين التشكيلي والتقني، خاض فيها غمار تجربة فنيّة طويلة الأمد بدأت في المرحلة الإعدادية.
وفي حديث لصحيفة الثورة، أسرد لنا حياته الفنية منذ البداية، حين كان الرسم بالنسبة له مجرّد تمثيل للواقع لضعف الثقافة الفنيّة لديه في تلك المرحلة، فحاول وقتذاك رسم لوحاته وتجسيد تداعيات أحلامه ضمن صياغات متفاوتة بين الواقعيّة والتعبيريّة والتجريديّة المشحونة بغنائيّة اللمسة اللونيّة العفويّة والتلقائيّة، فيما بعد وجدت الحداثة طريقها إلى لوحاته وخاصة في منتصف الثمانينات ووصلت إلى أقصى حدود التجريد اللوني الانفعالي.
وأكد مخزوم أن معطيات الحداثة تلقاها من خلال رؤية لوحات كبار رواد الحداثة في الكتب والمجلات والصحف، وبعد ذلك من خلال زيارة المعارض في دمشق والتعرف عن قرب على لوحات كبار الفنانين.
وحاول من خلال رسم لوحاته، تجسيد تداعيات أحلامه، ضمن صياغات متفاوتة بين الواقعيّة والتعبيريّة والتجريديّة المشحونة بغنائية اللمسة اللونية العفويّة والتلقائيّة، والتي وصلت في لوحاته في منتصف الثمانينات إلى أقصى حدود التجريد الانفعالي الحركي.
وأشار مخزوم إلى ما شاهدنا في معرض أسماه “الاستعادي” بين عامي 1975- 2025 (اليوبيل الذهبي) الذي أقامه في المركز الثقافي في الميدان مؤخراً، هو عبارة عن نماذج من لوحات تلك المرحلة، ولهذا نمّت علاقته بالفن التشكيلي بمودة خفيّة، تجاوزت حدود التعامل مع الريشة والألوان وسطح اللوحة، وأدخلته ومنذ أكثر من أربعين عاماً في إطار الكتابة الصحفية عن الفن التشكيلي.
تجاوز الزمن
ويرى أن المشكلة الأساسية التي تعترض خطوات البحث عن أسلوب خاص قبل التخرج من المحترف الأكاديمي، تكمن في أن أكثريّة الطلاب يريدون تجاوز الزمن الفني والوصول إلى أقصى حالات التجريد في الرسم، وهكذا نلاحظ في أكثريّة التجارب التشكيليّة الشابة تدرجاً، بعيداً عما هو مألوف في المحترف الأكاديمي، ويبدأ الكثيرون بالتشكيل التجريدي، وتتدرّج تجاربهم من الصياغات اللونيّة البحتة إلى تقديم الشّكل المجرد، مع العلم أن الرّسم الأكاديمي الصحيح يشكّل بالنسبة لطلاب الفنون الضمانة الوحيدة والأكيدة القادرة على تجاربهم في المستقبل خطوات باتجاه التشكيل التعبيري والتجريدي.
وهذا يعني أن التشكيل التجريدي هو الأكثر صعوبة من عمليات نقل ما هو متوفر في الصورة أو في الواقع، لأن الانفلات من إطارالرّسم الجاهز والوصول إلى خصوصيّة أسلوبيّة يشكّل الخطوة الأولى في تأكيد الموهبة والمقدرة واستخدام العفويّة والجرأة واللمسة اللونيّة الماهرة والواثقة.