الثورة – عمار النعمة:
منذ عقود، كانت المراكز الثقافية منارات فكرية مضيئة تساهم في نشر المعرفة وتعزيز الحوار الفكري والثقافي، تشجع الإبداع، وتُرسّخ الوعي الجمعي، لكن، وللأسف، في السنوات الأخيرة تراجع دورها بشكّل ملحوظ حتى أصبحت مجرد قاعات لمحاضرات متكررة، يحضرها عدد محدود من المهتمين، وتُدار أحياناً بروتين باهت لا يليق بمفهوم الثقافة وأهميتها.
هذه المراكز لم تعد تقوم بدورها التنويري كما ينبغي، فكثير من المحاضرات باتت تُنظّم لمجرد تنفيذ خطّة عمل شكلية، أو لاعتبارات شخصية لا علاقة لها بالكفاءة أو الفكرة، المحاضرأحياناً لا يقدّم مادة بحثية حقيقية أو قيمة معرفية مضافة، بل يستعرض حضوراً أكثر منه محتوى، وكأنّ الأمر تحوّل إلى واجب إداري أو ثقافي.
مؤخراً صرّح وزيرالثقافة السيد محمد ياسين صالح عن افتتاح مركز ثقافي جديد في محافظة إدلب، وقد بدا هذا الخبر للبعض عادياً لكنّه في الحقيقة يحمل بُعداً رمزياً كبيراً، إنه إعلان عن محاولة إعادة الحياة إلى مؤسسة ثقافية يُفترض بها أن تكون فاعلة في محيطها، لا مجرد مبنى.
إن هذا الافتتاح يدفعنا للتساؤل: هل سيكون انطلاقة حقيقية تعيد لهذه المراكز ألقها؟.أم تكراراً للتجارب الماضية؟.
وهل لدى وزارة الثقافة رؤية جدّية لتفعيل هذه المراكز بوصفها فضاءات للنقاش والتنوير لا مجرد مراكز خدمات؟.
ما نأمله اليوم هو أن تعود هذه المراكز إلى جوهر رسالتها بحيث تكون منصّات لتقديم الأدب والفكر والفن، بعيداً عن المجاملة والمحسوبية، وتُفتح أبوابها أمام المبدعين الحقيقيين، وتفسح المجال للمناقشات الجادة والمعارض التشكيليّة مما يخلق بيئة ملهمة للفنانين والمبدعين، وأن تصبح المحاضرة، أيّاً كان موضوعها، نتيجة بحث وجهد ومتابعة، لا مناسبة لإلقاء خطاب نمطي، وتعمل على تعزيز الهويّة الثقافية وتسليط الضوء على التراث السوري والتقاليد الفكرية، في مواجهة موجات التفاهة المنتشرة.
افتتاح مركز ثقافي في إدلب ليس مجرد مناسبة رسمية، بل فرصة لإعادة تقييم دورهذه المراكز ، إنها فرصة للمتابعة والتطوير وتصويب الأخطاء والسير بمصداقية في الطريق الأكثر معرفة وجديّة وجدوى، بحيث تُمنح الثقافة مكانتها الحقيقية، ويُمنح المبدعون فرصة التأثير.
ربما، بهذه الخطوة، نستطيع أن نعيد للمراكز الثقافية دورها التنويري الذي افتقدناه، وأن نمنح الأجيال القادمة منبراً يليق بطموحهم وفكرهم.