“بضاعة العمر طارت”.. إزالة البسطات في حلب.. بين مطرقة لقمة العيش وسندان البقاء

الثورة – جهاد اصطيف:

فقد أبو سليم مصدر رزقه الوحيد في أقل من خمس دقائق بعد سنوات على الرصيف، إثر حملة أطلقتها بلدية حلب لإزالة البسطات العشوائية من شوارع المدينة قبل نحو أكثر من شهر.

 

لا يمكن لأحد أن يؤيد الفوضى، أو تجاوز القوانين، لأن في ذلك أذى للجميع، إلا أن الأفضل قبل الشروع بإزالة البسطات منح أصحابها مهلة أطول، وإخبارهم بعدم السماح لهم مجدداً بالعمل بهذه الطريقة المتبعة، بغية ترتيب أوضاعهم والاستمرار في عملهم من دون توقف حتى ولو يوماً واحداً عن العمل.

 

حلم تلاشى ففي بسطة صغيرة على رصيف ضيق، قريب من سوق باب جنان العتيق بحلب، بنى أبو سليم حلمه، قبل أن يجرف قرار إزالتها كل شيء، كان يفرش بسطته منذ سنوات، إلى جانب دراجته، مجرد مشمع وأكياس خيش، يصف فوقها بضائع متنوعة، نكاشات أسنان، أمشاط، قداحات ، بطاريات ، ودبابيس وأبر خياطة وغيرها من الأشياء البسيطة التي استطعنا رؤيتها قبل نحو شهر من بدأ الحملة، وجهه يحمل قسمات رجل، عركته الحياة، وعرف العوز مبكراً، وتعلم كيف يبتسم رغم الألم، يبدأ يومه مع خيوط النهار الأولى، ويصل إلى السوق، بهيئته، التي اعتاد عليها منذ زمن آتيا من حي بعيد، دون شك، قبل أن تفتح المحال.

 

جاءت الحملة في ظهيرة يوم حار ضمت شاحنات بلدية، عناصر أمن، صراخ، عجلة، وكأن أصوات تقول: إزالة فورية، المكان غير مرخص وأي اعتراض يعرض صاحبه للمخالفة، وقف أبو سليم مرتبكاً، حاول أن يوضح للمسؤولين ظروفه، لكن من دون جدوى، تناثرت أشياؤه هنا وهناك، ليعود إلى البيت في ذلك المساء خالي اليدين.

 

رغم القهر، من المؤكد ظل لديه حلم واحد، أن يعود ذات يوم، إلى زاويته في باب جنان، ويفرش من جديد.

 

البسطات مصدر دخل وحيد

حال أبو سليم ليس أفضل من غيره، فهناك الكثير مثله، إذ يتجه المئات من سكان حلب إلى بيع الخضراوات والفواكه، وأغراض مختلفة على الأرصفة، بعدما صارت “البسطات” مصدر الدخل الوحيد لكثير من العائلات التي تواجه ظروفاً معيشية صعبة وغياباً شبه تام لفرص عمل تدر عليهم أجوراً مجزية، أبو جميل صاحب بسطة قال في حديثه لصحيفة الثورة: ضاع مصدر رزقنا، أنا عندي خمسة أولاد، وأبيع خضرتي منذ سنوات، فجأة وصلت البلدية وصادرت البسطة، من دون تخصيص مكان بديل لنا ولا مكان آخر نذهب إليه، وأردف: في حال تخصيصنا ببسطات كما حدث من قبل للبعض، فهو بعيد ولن يكون مثل سوق باب الجنان، لأن الأماكن الأخرى حركتها ضعيفة، ومعظم الزبائن تأتي لتتسوق من هنا.

 

أبو طاهر، صاحب محل قريب يقول: صراحة من ناحية التنظيم، الأمر يعد جيداً، وخاصة أن أصحاب البسطات، يغلقون الأرصفة والشارع، وبنفس الوقت البسطات تجذب الزبائن للمنطقة، وعندما يرحلونهم يقل البيع والشراء.

 

ورداً على سؤال حول اعتبار أصحاب البسطات منافسين لأصحاب المحال، قال: قليلاً، لأن بضائعهم مختلفة، وأنا أبيع أنواع أجود، فالزبون يعرف إلى أين يتجه، حسب وضعه المعيشي وقدرته الشرائية، ورأى أن يجد المجلس البلدي حلاً يرضي الطرفين، وألا يكتفي بطرد هؤلاء.

 

أم سعيد، متسوقة دائمة من باب جنان، تقول: أتردد بشكل شبه يومي لأتسوق من هنا منذ سنوات، لأن كل شيء أرخص.. الخضرة والفواكه، الملبس، والحاجات اليومية، وتردف بالقول: أنا أرملة، وليس بمقدوري أن أشتري من المحلات، فالبسطة تساعدني وأوفر مبلغاً محرزاً مع نهاية كل أسبوع.

 

وهنا أبدت أم سعيد تعاطفها مع أصحاب البسطات، وقالت: نفهم أنهم يريدون تنظيم المكان والشوارع وخلافه، لكن ليس بهذه الطريقة الغريبة والعجيبة، كما أطلقت عليها، والتي لم يجدوا لها حلاً منذ عقود، من يبسط منذ الصباح وحتى المساء ليس تاجراً كبيراً، هو مواطن يريد أن يعمل ليضمن له ولعياله لقمة عيش بشرف وكرامة، وطالبت أن يجدوا لهم مكانا ملائما، وألا يرموهم بالشارع.

 

قرار صعب..

أين البدائل، خيبة الآمل بدت على محيا الكثير من المواطنين بحلب من أن يأتي مجلس المدينة بتغييرات إيجابية للواقع المعيشي الصعب الذي يعيشونه منذ سنوات، وسياسة عقاب اتبعها بحق أصحاب البسطات في سوق باب الجنان بدعوى تنظيم المنطقة، بان عقب قرار إزالة عشرات “البسطات” العشوائية لبيع البضائع والخضار والفواكه وسط المدينة.

 

وقال أحد البائعين: لقد استبشرنا خيراً مع قدوم المجلس الجديد، وعملنا لفترة أشهر دون مضايقة من أحد إلى أن أطلق المجلس حملته بإزالة البسطات قبل نحو شهر، لتبدأ معاناتنا المركبة، كبائعين ومستهلكين، بسبب عدم توافر الأموال لدى المواطنين لشراء حاجيات المواسم على الأقل في المواسم و الأعياد، وخاصة ونحن مقبلين على عيد الأضحى المبارك.

وأضاف: حقيقة أعتدنا البيع في هذه المنطقة منذ سنوات، بتساهل من المجالس السابقة، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعدم قدرة تجار البسطات العشوائية على تأجير المحال التجارية في مركز المدينة، والشوارع المحيطة به، ما اضطرنا للبيع عبر البسطات العشوائية، خاصة في سوق باب الجنان والمنطقة المحيطة به.

وأشار إلى أن نسبة كبيرة من سكان حلب يقبلون على الشراء من السوق، لأن أسعاره أقل من المحال التجارية، بالإضافة إلى أن بعض هذه البسطات العشوائية تروج لبضائع ذات خامات أقل جودة من مثيلاتها في المحال، وبأسعار زهيدة يمكن لذوي الدخل المحدود أو العاطلين عن العمل الشراء منها لسد احتياجات عائلاتهم، خاصة في المواسم التي يضطر الجميع إلى الشراء فيها.

وبين أن خيبة أمل سادت بعد هذه القرار، خاصة أنه يعني قطع أرزاق مئات المواطنين والعائلات التي تعتاش من هذه البسطات العشوائية، وكان أحرى بالمجلس أن يبحث عن حلّ آخر، بديل عن إزالة البسطات، وجعل أصحابها بلا مصدر دخل.

ومضى يتساءل: أين نذهب، وماذا نحمل لأولادنا نهاية اليوم، ومن أين سنأتي بلقمة العيش؟.

مجلس المدينة يلتزم الصمت وفي حيثيات القرار، حاولت صحيفة الثورة الحصول على تعليق من مجلس المدينة، إلا أن الرد الرسمي تأخر ولم يردنا بعد، بحجة أن الأمر بحاجة إلى موافقة وزارة الإدارة المحلية، وبغض النظر عن تبعات القرار، الذي كنا نود التعرف من خلاله على أي خطة بديلة لمجلس المدينة في التعامل مع مثل هذه الحالات، أو على الأقل معرفة أعداد البسطات التي أزيلت، أو أي مقترح يطمئن هؤلاء ويمنحهم ولو بصيص أمل، لأن تبعات القرار طالت حياة عشرات الأسر المستورة التي تعتاش من وراء هذه البسطات.

تساؤل مشروع

ومع استمرار حملات الإزالة من دون حلول بديلة، تزداد الهوة بين متطلبات التنظيم الحضري الذي يتطلب المزيد من الجهد والتركيز، واحتياجات المواطنين الاقتصادية، ويبقى التحدي الأهم أمام مجلس المدينة: كيف يمكن تنظيم الأسواق من دون سحق الفقراء؟.

آخر الأخبار
40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد دمشق منفتحة على التعاون مع "الطاقة الذرية" والوكالة مستعدة لتعاون نووي سلمي حركة تسوق نشطة في أسواق السويداء وانخفاض بأسعار السلع معوقات تواجه الواقع التربوي والتعليمي في السلمية وريفها افتتاح مخبز الكرامة 2 باللاذقية بطاقة إنتاجية تصل لعشرة أطنان يومياً قوانين التغيير.. هل تعزز جودة الحياة بالرضا والاستقرار..؟ المنتجات منتهية الصلاحية تحت المجهر... والمطالبة برقابة صارمة على الواردات الصين تدخل الاستثمار الصناعي في سوريا عبر عدرا وحسياء منغصات تعكر فرحة الأطفال والأهل بالعيد تسويق 564 طن قمح في درعا أردوغان: ستنعم سوريا بالسلام الدائم بدعم من الدول الشقيقة تعزيز معرفة ومهارات ٤٠٠ جامعي بالأمن السيبراني ضيافة العيد خجولة.. تجاوزات تشهدها الأسواق.. وحلويات البسطات أكثر رأفة عيد الأضحى في فرنسا.. عيد النصر السوري قراءة حقوقية في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية "الثورة" تشارك "حماية المستهلك" في جولة على أسواق دمشق مخالفات سعرية وحركة بيع خفيفة  تسوق محدود عشية العيد بحلب.. إقبال على الضيافة وتراجع في الألبسة منع الدراجات النارية بحلب.. يثير جدلاً بين مؤيد ومعارض!