الثورة – مها دياب:
في ظل الضغوط المتزايدة على المرأة السورية، يصبح الوعي الذاتي أساساً حيوياً لأي تطور حقيقي في المجتمع، فالوعي لا يعني فقط إدراك ما يحدث، بل يشمل فهم الذات واختيار ردود الأفعال بقرار لا بعفوية.
ومن هذا المنطلق، نظمت مؤسسة مسك الأهلية محاضرة بعنوان “قواعد الحياة” قدمها المهندس والمدرب في البرمجة اللغوية العصبية أسامة حجيري، وطرح عشر قواعد عملية تساعد المرأة على قيادة ذاتها وتوسيع إدراكها لقدراتها وحدودها.
الخارطة ليست الحقيقة
أكد المهندس حجيري أن ما نعتقده عن العالم هو نسخة ذهنية منحازة لما اختبرناه، لا الواقع ذاته، فنحن لا نعيش الحقيقة، بل خارطة خاصة بنا تشكلت من إدراكنا الحسي، وتجاربنا، وتعريفاتنا.. فحين نقول “هذا المكان سيئ”، نحن نصف انطباعنا، لا الواقع، كمثال القلم الذي يبدو مكسوراً في الماء كان دليلاً على خداع الحواس.
وبين أنه هنا علينا أن نشكك قليلاً في تصوراتنا، ونسأل: ما الذي لا نراه؟ وتأتي أهمية هذه القاعدة كونها تفتح الباب للتسامح والتفاهم لأنها تعلمنا أن الآخر أيضا لديه خارطته الخاصة.
المبادرة لا تعني فقط أن نأخذ خطوة للأمام، بل أن نمتلك وعياً أننا قادرون على التغيير، هذا ما أوضحه حجيري فالمبادرة موقف عقلي لا يتطلب ظرفاً مثالياً، بل شجاعة داخلية، تجعل المرأة فاعلة في صياغة واقعها لا متفرجة عليه، كالتغيير في النظرة اليومية للأشياء أو البدء في مشروع صغير، طلب المساعدة.
في كل مرة نتهرب من اتخاذ قرار، نختار أن نسلم القرار للحياة أو للآخرين، لذلك شدد المهندس حجيري على أن الخيارات تمنحنا السيطرة على مصيرنا، حتى لو لم تكن كل الخيارات مثالية فالقرار قوة، والحياد في كثير من الأحيان شكل من أشكال الخوف، فعندما تدرك المرأة أنها حرة في الاختيار، حتى في أكثر البيئات قسوة، فإنها تبدأ في استعادة ذاتها
التقبّل وعي لا استسلام
تعتبر هذه القاعدة دعوة للسلام الداخلي- وحسب قول المدرب: إن التقبل لا يعني الاستسلام، بل هو التوقف عن مقاومة الواقع بشكل يؤذينا نفسياً، تقبل الذات هو القدرة على رؤية عيوبنا، وتقبل الآخرين هو التحرر من فكرة تغييرهم، وتقبل القدر هو فهم أن بعض الأمور لا يمكن تغييرها لكنها لا تمنعنا من التصرف من داخلها بمرونة وواقعية.
فالتقبّل يخفف الصراع الداخلي ويفتح مجالاً للتنفس والتفكير، الحياة تجربة، وحين استخدام أسلوب لا يجدي، فالتغيير يصبح فرضاً لا خياراً.
ونوه المدرب حجيري إلى أهمية ملاحظة نتائج سلوكياتنا، هل هذا السلوك يوصلني لما أريد؟ هل الطريقة التي أتحدث بها، أو أتصرف بها، أو أتفاعل بها تحقق لي راحتي وأهدافي؟ إذا لا فلماذا أصر عليه؟.
التغيير يبدأ حين نمتلك المرونة اللازمة لكسر الروتين العقيم، وأكد أنه لا يوجد فشل بل دروس وخبرات، فالخطأ لا يعني نهاية المطاف، وكل تجربة لم تثمر كما أردنا، تحتضن درساً، وأكبر مثال على ذلك حكاية أديسون ومحاولاته قبل اختراع المصباح، وقال: “أنتِ لا تتعثرين، بل تكتشفين”.. هذه القاعدة تعلم المرأة أن تتعامل مع الماضي كرصيد لا كعبء، ومع التجربة كأستاذ لا كفشل.
ما تؤمنين به يتحقق وأوضح حجيري أن المعتقدات تشكل الأفعال، فمن تؤمن أنها لا تستطيع، لن تحاول، ومن تؤمن أنها لا تستحق، سترفض النعمة حين تأتي، ودعا إلى دفن المعتقدات المعوقة في “مقبرة الأفكار” كصورة مجازية للتخلي الواعي عن تلك القوالب التي برمجتنا منذ الطفولة “غيري قناعتك، يتغير واقعك”.
وأشار إلى أن الكلمات لا تعني شيئاً بمفردها، ما يعطي الكلمة قوتها أو ضعفها هو سياقها الزمان، والمكان، والمزاج، والطرف الآخر.. قد تقولين “أنا بخير” وتعنين بها عكس ذلك تماماً، أن الفهم الدقيق للآخر لا يتم عبر كلماتهم فقط، بل عبر نبرة صوتهم، لغتهم غير المنطوقة، وتوقيتها، فالسياق يبني المعنى الحقيقي وهو مفتاح الذكاء العاطفي.
ربط المحاضر بين اللغة والوعي، فمن تقول: “أنا ضحية”، تختلف عمن تقول: “أنا في مرحلة تحدٍّ”، إذاً الكلمات تخلق المشاعر، والمشاعر تخلق الأفعال، حين تغيّرين مفرداتك، يتغير الواقع الذي تصفينه حتى لو لم يتغير مادياً واللغة الداخلية ما نقوله لأنفسنا هي أكثر اللغات تأثيراً في مسارنا.
وأوضح المحاضر كلامه بالقول: اربحي ويربح الآخر (Win-Win)، فالعلاقات ليست ساحة معركة والنموذج الصحي هو حين تربحين دون أن يخسر من أمامك، والعكس صحيح، فالعلاقات التي تقوم على الربح المتبادل تبنى على الوعي، والإنصاف، والحدود الواضحة، وهي الصورة الأكثر نضجاً للعلاقات الإنسانية.
نصائح ملهمة
كما شاركت مسؤولة مؤسسة مسك الدكتورة شذى الحاج عثمان بتقديم مجموعة من النصائح الملهمة دعت فيها إلى مراقبة المرأة لحديثها مع ذاتها، فهو أكثر ما يشكلها، وألا تخشى أن تعيد تقييم ما كانت تؤمن به منذ سنوات.
أيضاً على الأنثى ألا ترهق نفسها بمثالية متعبة، بل منحها لحظات صدق بسيطة، فالتغيير لا يبدأ من الظروف، بل من الجملة التي تقولينها لنفسك قبل أن تنامي، وسامحي ذاتك، ولا تغلقي الباب على محاولاتك لأنها لم تكن كاملة”.
وأنهت المحاضرة بقولها: “ما خرجنا به اليوم ليس مجرد جمل تحفيزية، بل مفاتيح فعلية لإعادة تشكيل علاقتنا مع أنفسنا والآخرين والحياة.
كلّ قاعدة من هذه القواعد، إن طبقت ببساطة وثقة، قادرة أن تغير وعينا، ونحن في مسك نراهن على وعي المرأة، ليس لأنه يغيرها فقط، بل لأنه يمتد كضوء صغير يضيء حياة من حولها.