الثورة – عمار النعمة:
في وطني الأبيّ العصيّ على الغزاة عبر العصور خرجت دمشق مساء أمس، حزينة دامعة لكنها لم تنحنِ.
حيّ دويلعة، حيث تسكن كنيسة مار إلياس، كان مسرحاً للفاجعة، ليست مأساة عابرة في سجل الأزمات، بل جرحاً في خاصرة مدينة لا تزال تقاوم بحناجر أبنائها المبحوحة.
إنّها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الحقد أن ينال من نسيجنا السوري، لكن ما لا يفهمه العابثون هو أن هذا الوطن صُنع من نُبل التنوع، ومُدّ بقوة الإيمان أن الكنيسة والمئذنة لا تتقاطعان، بل تتعانقان في ظلال الوطن الواحد.
عدد من الشهداء والجرحى ارتقوا، لا فرق بين مسيحي أو مسلم، فقير أو غني، فالجريمة لم تسأل عن الهوية، فقط أرادت أن تزرع الخوف والموت معاً، لكن السوريين، في مشهد طالما أبهر العالم، خرجوا كتلة واحدة ليتبرعوا بدمائهم ويلبسوا الحزن كرامة، ويحوّلوه إلى دعاء وأمل.
في وطني لا تُبنى المدن بالحجارة فقط، بل بالتاريخ والذاكرة والانتماء، هنا حيث الأرصفة التي مشت فوقها أقدام الأجداد، والمآذن التي خبّأت دعوات الأمهات، والكنائس التي صدحت لأجل السلام، تتكئ سوريا على أبنائها لتنهض من بين الأنقاض، وتقول: لسنا وحدنا، ولسنا عاجزين.
السوريون، كما كانوا دوماً، خرجوا من الأحزان كمن يزرع شتلة في أرض محترقة، بإيمان صامت، يعيد البناء من الحطام، ويصوغ الأمل من رماد الألم.
رمحنا لن ينكسر، لأننا ببساطة لا نحمل الحقد في صدورنا، بل نحمل جذوراً ضاربة في الأرض وعيوناً لا تنام عن الحلم والأمل،
في لحظة أراد فيها الحاقدون أن يزرعوا الرعب، انبثقت من دمشق نبضات حبٍّ لا يهدأ.
سوريا، بكل فسيفسائها العتيق، ليست مجرد وطن، بل سردية حضارية كتبها أناس آمنوا أن الاختلاف قوة، دمشق لا تقبل أن يُكتب تاريخها بالدم، بل بالعمل، والتعليم، والإبداع، وبكل خطوة تطرد اليأس من الأزقّة.
قد نُفجع ونحزن، ولكن لن نضيع، لأننا ببساطة نحمل إيماناً قوياً أن هذه الأرض تستحق أن نحيا لأجلها، لا فقط أن نموت فيها.