ثورة أون لاين- خالد الأشهب:
تتداول العامة من السوريين عادة ما يشبه موروثاً شعبياً خلاصته أن الثروة تهبط على رجل لا يستحقها … كأن يكون متخلفاً مثلاً , تدفعه إلى ارتكاب واحد من إثمين أو كلاهما,
فإما يطلق زوجته ويتزوج بأخرى ويشرد أبناءه , وإما يقتل رجلاً كي يدفع ديته , والمقصود هنا أن محاولة المتخلف الهمجي لإثبات رجولته دون عقوبة قاسية , تأخذ واحداً من مسارين أيضاً فإما الاستغراق في انفلات الغرائز وإما قتل آخر والصعود على جثته !
فإذا جاز سحب ما يجوز للفرد على ما يجوز للكيانات والمجتمعات حسب ابن خلدون على الأقل , فإننا نتساءل : ماذا للكيانات والمجتمعات الهمجية أن تفعل في حال هبوط الثروات الطائلة عليها ودون حساب أو عداد؟
منذ سبعينات القرن الماضي « أفتى « الداهية هنري كيسنجر بتوصيف وحكم الثروة النفطية ولاحقا ً الغازية التي هبطت .. أو بالأحرى صعدت إلى قبائل الجزيرة العربية وعشائرها المتناثرة المتقاتلة الغارقة في همجيات ما قبل الميلاد , بأنها « خطأ جيولوجي « ! أما الحل فهو إصلاح الخطأ .. وقد بكر الأميركيون كما يعرف الجميع في إصلاح ذلك الخطأ حتى قبل مولد كيسنجر بعقدين من السنين على الأقل عن طريق آبائهم البريطانيين أولاً !
بعد طفرة أسعار النفط صعوداً في السبعينات من القرن الماضي أيضاً بدأت عوائد الثروة الهابطة أو الصاعدة , تتراكم في يدي الفرد أو الكيان الهمجي المتخلف على السواء , ولم يدم الوقت طويلاً حتى أخذت تداعيات « الخطأ الجيولوجي « بالترجمة الفورية في المستويين الفردي والكياني السياسي أيضاً , وبلغت نسب تعدد الزوجات والولادات أعلاها عالمياً في مجتمعات الجزيرة والقبائل الحاكمة فيها وما تزال … وصولاً إلى بدايات البحث عن طرائق للقتل لإرضاء همجية الذات المتخلفة من جهة وتصريف فائض الثروة من جهة ثانية.
أتساءل اليوم , إذا كان لمقولة المصالح أن تكون حكماً فيصلاً في هذه القضية … فما الذي يدفع بكيان سياسي أو مجتمعي مثل السعودية وقطر .. لديه كل ما لديه من الوفر المالي الثابت والمتطور والمضمون , كي ينخرط في ممارسة ألعاب سياسية تتعدد أشكالها وبنياتها وخلفياتها ومناطقها , وتؤول كلها إلى ممارسة العنف « الإرهاب « أو تمويله أو التحريض عليه .. ودفع ديته ؟ وأين مصلحة هذه المحمية أو تلك في إسالة الدماء في أفغانستان ثم العراق وليبيا وسورية واليمن وغيرها .. لولا نزعة القتل والعدوان المستوطنة فيها ووهم تحقيق الذات , ولولا ولاؤها الأعمى للمصلحة السياسية والاقتصادية الأميركية ؟؟
ووفق حكم مقولة المصالح أيضاً , فإن ثمة دولاً صغيرة سياسياً ومجتمعياً , راكمت وفراً مالياً مشابهاً وأقل بكثير من الوفر المالي في محميات ومجتمعات الخليج كالدول الاسكندنافية مثلاً , لكنها ذهبت أكثر بكثير إلى الرفاه الاجتماعي الداخلي فلم تنشغل بالغرائز حتى الاختناق عبر تعدد الزيجات ومزارع الإنجاب الأعمى , وإلى الحياد السياسي الخارجي فلم تذهب إلى القتل ولا إلى الولاء الأعمى لأميركا أو لغيرها!!
بالطبع , نتحدث هنا عن الوفر المالي فحسب وطرائق تصريفه واستثماره .. ومع ذلك سيتنطع لك الكثيرون ثرثرة وسفسطة في التبرير والتأويل والتفسير فلا ترد .. لأن ثمة خطأً بيولوجياً آخر لم يكتشفه كيسنجر ولن يفعل ؟