الثورة – لينا شلهوب:
في خطوة تمثّل تطوراً مهماً في مسار التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة، يجري الحديث عن إنشاء خط ربط كهربائي دولي بجهد 400 ك.ف بين سوريا وتركيا، وهذا يعد مشروعاً استراتيجياً هاماً.
ويهدف هذا المشروع إلى دعم استقرار منظومة الكهرباء في سوريا، وتعزيز تبادل الطاقة بين البلدين، بما يفتح الباب أمام تعاون أوسع يشمل دول الجوار مثل العراق ولبنان وحتى دول الخليج في مراحل لاحقة.
استجابة للحاجة
وفق ما أفادت به مصادر مطلعة في قطاع الطاقة لـ”الثورة ” فإن المشروع يأتي استجابة للحاجة الملحّة لإعادة بناء البنية التحتية الكهربائية بعد سنوات من التدهور نتيجة الحرب، كما يمثّل خطوة نوعية على طريق إعادة تأهيل قطاع الطاقة بعد سنوات من التراجع. ومن شأن الربط مع الشبكة التركية أن يُسهم في تلبية جزء من الطلب المحلي على الكهرباء، خصوصاً في فترات الذروة، كذلك يمثّل فرصة استراتيجية لسوريا لإعادة الاندماج في شبكات الربط الإقليمي، أما بالنسبة لتركيا، فإن المشروع يعزّز موقعها كمركز إقليمي للطاقة، يربط بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ويتيح لها فرصة لتصدير فائض الكهرباء، ولا سيما تلك المولّدة من مصادر متجددة، إلى السوق السوري، ما يعزز مكانتها كمركز إقليمي في تجارة الطاقة.
المهندس ياسر الأحمد، خبير في تخطيط الطاقة، يرى أن هذا النوع من مشاريع الربط يعزّز مرونة الشبكة الكهربائية، ويتيح نقل فائض الكهرباء من بلد لآخر حسب الحاجة، ما يقلّل من احتمالات انقطاع التيار الكهربائي، ويخفّض التكاليف على المدى الطويل، كما سيدعم استقرار المنظومة الكهربائية في سوريا، فيما يتيح المجال أمام إنشاء بنية تحتية إقليمية مرنة تسهّل تبادل الطاقة مستقبلاً بين أكثر من دولة.
فوائد متبادلة
مشروع إنشاء خط ربط كهربائي دولي، سيمكّن سوريا من سد العجز الكهربائي المزمن، خاصة في فترات الذروة، كما ويخفّف الضغط على محطات التوليد الوطنية التي تعمل بطاقة محدودة.
فيما يمثّل بالنسبة لتركيا فرصة لتصدير فائض الكهرباء، خاصة من مصادر متجددة، إلى سوق بحاجة ماسة لها، إضافة إلى تعزيز نفوذها الإقليمي في قطاع الطاقة.
ويؤكد باحثون في مركز للدراسات التركية للطاقة، أن المشروع ليس فقط ذا بعد تقني، بل يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية مهمة، إذ يمكن أن يكون مدخلاً لتحسين العلاقات الثنائية على قاعدة المصالح المتبادلة، علاوة على ذلك فإن نجاحه لا يعتمد فقط على الجوانب الفنية، بل يتطلب توافقاً سياسياً واستراتيجياً طويل الأمد لضمان استمراريته.
تحديات محتملة
لا يقتصر المشروع على البعد الثنائي فقط، بل يُنظر إليه كبداية لمشروع ربط إقليمي يشمل دولاً مجاورة مثل العراق ولبنان، في إطار سعي أوسع نحو إنشاء “ممر كهربائي شرقي” يعزز أمن الطاقة، ويقلّل من الاعتماد على مصادر محددة.
لكن مشروع إنشاء خط ربط كهربائي دولي، رغم إيجابياته المحتملة، لا يخلو من عدة تحديات- حسب رأي أحد المختصين- فالوضع الأمني غير المستقر في بعض المناطق الحدودية، إضافة إلى القيود الدولية المفروضة على سوريا، قد يشكلان عقبتين رئيسيتين أمام تنفيذ المشروع في المدى القريب، أو يهدد استدامته، إضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة، التي ربما تدفع بعض الشركات إلى التردد في الانخراط في مشاريع داخل سوريا، خشية التبعات القانونية أو السياسية.
أما ما يتعلق بالتنسيق الفني والقانوني، فالمشروع يتطلب تنسيقاً معقّداً في الجوانب الفنية والتشغيلية، إلى جانب اتفاقيات واضحة لضمان استمرار التبادل العادل للطاقة.
تكامل طاقي وتمهيد لتعاون أوسع
يرى محللون أن هذا المشروع يمكن أن يكون نواة لمشروع أوسع يشمل ربط سوريا بلبنان والعراق، وربما الأردن، ما يشكّل ما يسمى بـ”الممر الكهربائي الشرقي”، وهو جزء من رؤية أوسع لإنشاء سوق طاقة إقليمي، يمهّد لتكامل أوسع في قطاعي الكهرباء والغاز، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، ويوفّر بيئة جاذبة للاستثمار في البنية التحتية.
المهندس فراس عيسى مستشار في مشاريع الطاقة الإقليمية، بين أن الربط الكهربائي يمهّد أيضاً لتكامل أكبر في قطاع الغاز مستقبلاً، ما يعزز أمن الطاقة في المنطقة، ويوفّر فرصاً استثمارية كبيرة، موضحاً أن الربط الكهربائي هو أكثر من كابلات ومحطات؛ إنه جسر سياسي واقتصادي يربط بين دول، ويؤسّس لشبكة مصالح مشتركة تعزز فرص التنمية والسلام.