الثورة – سيرين المصطفى:
لسنوات طويلة وقاسية، ظلّ السوريون النازحون والمهجرون يتطلعون إلى لحظة العودة إلى قراهم ومناطقهم، بعد أن فُرض عليهم الرحيل تبعاً لاشتداد المعارك وسيطرة النظام البائد، وقد توزّعوا في بقاع شتى، فمنهم من بقي داخل البلاد، وآخرون فرّوا إلى الخارج باتجاه تركيا أو أوروبا أو دول عربية، كلٌّ بحسب ظروفه المعيشية والخيارات المتاحة له.
ومع تحرير البلاد من سلطة الاستبداد، فُتحت أبواب العودة على مصراعيها أمام من شردتهم الحرب، إلا أن كثيراً منهم وجدوا أنفسهم أمام واقع صعب لم يكونوا يتوقعونه، حيث كان عليهم أن يبدؤوا حياتهم من جديد، فغالبية المنازل مدمّرة، والكهرباء غائبة، والخدمات الصحية شبه معدومة في عدد من القرى والمدن في ريفي إدلب وحماة، أو غائبة تماماً في مناطق أخرى.
ضمن هذا السياق، يعيش عدد كبير من النازحين اليوم حالة من التردد، يتأرجحون بين قرار البقاء في أماكن اللجوء أو العودة إلى بلداتهم المتضررة، وحسب شهادات استمعنا إليها، فإن التردد يعود إلى مخاوف حقيقية، أبرزها الألغام ومخلّفات الحرب المنتشرة في العديد من القرى، والتي تسببت في حوادث أليمة أودت بحياة عدد من المدنيين. هذا إلى جانب الدمار الكبير والأنقاض التي ما زالت تملأ الشوارع والمنازل.
وقد أعرب عدد من العائدين عن تخوفهم من غياب الخدمات الأساسية في قراهم، لا سيما الكهرباء والرعاية الطبية، بعضهم تحدث عن حالات مرضية لأطفال لم يجدوا لها أي رعاية صحية ملائمة، ما جعل الأسر تعيش في توتر دائم خوفاً من وقوع طارئ صحي دون وجود مركز طبي مجهز.
وبالإضافة إلى ذلك، ذكر الأهالي وجود حيوانات سامة مثل الأفاعي والعقارب بين الأنقاض، والتي تسببت في لدغات خطيرة لبعض الأطفال، مما استدعى نقلهم إلى المشافي، وهو ما دفع بعض العائلات إلى تأجيل قرار العودة، خوفاً على حياة أطفالهم.
في المقابل، يشعر من لم يعودوا بعد بنوع مختلف من القلق، إذ يساورهم الخوف من أن يتشتت نسيجهم الاجتماعي إذا عاد جيرانهم وأقاربهم إلى قراهم، وبقوا هم في مناطق النزوح. كما يخشون فقدان بعض الخدمات، مثل الإنترنت أو إغلاق المحلات التجارية التي يعتمدون عليها، في حال عودة أصحابها الأصليين إلى بلداتهم.
من ناحية أخرى، فإن حياة النزوح الطويلة أرهقت كثيرين ممن باتوا يتطلعون للعودة رغم الصعوبات، أملاً في مواجهة التحديات داخل وطنهم عوضاً عن حياة الانتظار. إذ لا تزال هناك مشاريع ومبادرات شخصية ومجتمعية مؤجلة، في انتظار لحظة العودة المنتظرة.
وتبقى العودة إلى الديار الشغل الشاغل لدى السوريين، فهي الحلم الذي رافقهم طوال سنوات التهجير. واليوم، وقد بات تحقيقه ممكناً، فإن الواقع الجديد يتطلب استعداداً كبيراً، وموارد وصبراً لتجاوز العقبات. ومع ذلك، فإن العودة، مهما بدت صعبة، تظل خياراً لا بد منه، وستتحقق عاجلاً أم آجلاً.