الثورة -ناديا سعود:
“عدتُ من أوروبا إلى سوريا لأني مؤمن أن هذه الأرض ما زالت مليئة بالفرص، وأن السوق المحلي، رغم التحديات، متعطش لكل فكرة جديدة وكل مشروع مدروس”، بهذه الكلمات بدأ جلال قاسم، رائد الأعمال السوري وخبير التسويق الرقمي، حديثه لـ”الثورة”، موضحاً أن قراره بالعودة جاء بعد سنوات من العمل في ألمانيا في مجال التسويق وإدارة الأعمال الرقمية.
بدأ قاسم مشروعه بلابتوب واحد من غرفته الصغيرة، تمكّن من تأسيس فريق سوري بخبرات أوروبية، وبدأ بتقديم خدمات رقمية للمشاريع المحلية في سوريا، كتصميم المواقع، وإدارة الحملات الإعلانية، وإعداد المحتوى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، السوق السورية ليست فقيرة، بل متعطشة، ومليئة بطاقات شبابية لم تُمنح فرصتها الكافية نتيجة ظروف الحرب. يقول قاسم، مشدداً على أن التحديات القانونية والمالية، كصعوبة التحويلات البنكية، لا تُعدّ عائقاً أمام من يملك رؤية وشركاء محليين وفهماً لآلية السوق.
التسويق الذكي لخدمة الإنتاج المحلي
يرى قاسم أن من أكبر فرص التطوير في سوريا تكمن في تطبيق مفاهيم التسويق الذكي وربطها بقطاعات الإنتاج الأساسية كالصناعة والزراعة، بدءاً من التغليف والهوية البصرية للمنتج، وصولاً إلى التسويق الموجّه والتصدير عبر قنوات حديثة، عملنا سابقاً مع شركات عالمية مثل DHL وHermes وUPS، واليوم نعمل على نقل هذه التجارب إلى السوق السورية، عبر نماذج تشغيل ذكية وخدمات قابلة للتصدير من داخل سوريا، كالرد الآلي (chatbot)، وخدمات دعم العملاء عن بعد.
واعتبر أن مشروع تدريب الشباب وبناء الكفاءات الرقمية، من ضمن رؤيته للمساهمة الفاعلة، يسعى قاسم لتأسيس مركز تدريبي يجمع بين التصميم، التسويق الرقمي، والبرمجة، بهدف تمكين الشباب السوري وربطهم بالسوق المحلي والأوروبي.
ويرى في هذا المشروع نواةً لحاضنة أفكار واعدة بدعم بسيط من الدولة، وبتخطيط طويل المدى، ما يحتاجه شباب سوريا هو مساحة حقيقية للتعبير والتعلم والتطبيق.
لدينا طاقات عظيمة لا ينقصها سوى التوجيه والثقة
وشدد قاسم على أن عودته ليست فقط اقتصادية، بل رسالة وطنية وإنسانية، مضيفاً: عدت لأنني مؤمن بأننا جميعاً شركاء في إعادة بناء سوريا، بعيداً عن الاصطفافات السياسية.
نريد أن نعطي الأمل من خلال العمل، وأن ننقل ما تعلمناه في الاغتراب لنصنع نموذجاً جديداً للتنمية.
دعوة للمغتربين ونداء للإعلام
يؤكد قاسم أن دور المغترب لا يقتصر على المال، بل يمكن أن يكون بالفكرة، بالتشجيع، أو حتى بعدم بثّ السلبية، ويقول: أكبر مثال أنني عدت لبناء مشروعي مع أولاد بلدي، نحن نحتاج أن نكبر ببعض، ونبني بلدنا بأفكارنا.
و يشدد على دور الإعلام السوري في توجيه طاقات الشباب، ويضيف: من خلال حضورنا للملتقى الرقمي الإبداعي الأول بدار الأوبرا، رأيت قصص نجاح ملهمة.
الإعلام هو منصة أمل، وأنا شخصياً، وإن لم يعرفني أحد بعد، لن أستسلم حتى يصل صوتي.
وينهي حديثه برسالة إلى كل مغترب: لا تنتظر أن تكون على الأرض لتدعم بلدك، فكرة صغيرة، تشجيع، أو مشاركة تجربة قد تصنع فرقاً، نحن لا نحلم فقط… نحن نسعى ونبني خطوة خطوة، لأن سوريا تستحق.
تحول تدريجي في واقع الاستثمار
رغم التحديات الاقتصادية العميقة التي لا تزال تلقي بظلالها على المشهد السوري، تشير مؤشرات حديثة إلى بدء تحوّل تدريجي في واقع الاستثمار داخل البلاد، وفق ما أكده الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل في حديث لـ«الثورة»، موضحاً أن مطلع عام 2025 شهد بوادر انفراج اقتصادي، تمثلت في خطوات ملموسة على طريق فكّ العزلة عن الاقتصاد السوري، ولا سيما من خلال الجهود المبذولة لإعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، وما تلاه من تخفيف العقوبات التي كانت مفروضة منذ أكثر من عقد.
وأشار إلى أن هذه التطورات انعكست بشكل مباشر على عودة الحوالات الخارجية، والتي تُعد شرياناً حيوياً للاقتصاد الوطني، كما فتحت الباب أمام فئة واسعة من المغتربين السوريين لإعادة النظر في فكرة الاستثمار داخل بلدهم الأم.
وأكد أن المغتربين، الذين لطالما كانوا العمود الفقري للاقتصاد غير الرسمي عبر تحويلاتهم ومبادراتهم الفردية، باتوا اليوم أكثر انفتاحاً على المشاركة في مشاريع استثمارية فعلية، خاصة مع بروز مبادرات مدعومة دولياً في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والبنية التحتية، والزراعة.
لكن المغربل شدد في المقابل على أن “الحديث عن نهضة استثمارية شاملة يظلّ رهن معالجة جذور العوائق الأساسية”، وأبرزها غياب بيئة قانونية آمنة تكفل حقوق المستثمرين، واستمرار المخاوف الأمنية، إضافة إلى غياب آليات شفافة تضمن حماية رأس المال وضمان الأرباح.
وأضاف: المغترب السوري اليوم لا يبحث فقط عن عائد مالي، بل عن شراكة حقيقية تعترف بخبرته وتقدّر مساهمته في إعادة بناء وطنه.
ويرى المغربل أن مستقبل الاستثمار في سوريا مرتبط بشكل وثيق بقدرة الدولة على ترميم جسور الثقة مع مواطنيها في الخارج، من خلال إصلاحات قانونية ومؤسساتية جذرية، تعيد رسم العلاقة بين المواطن والدولة، وتضمن مشاركته الفاعلة في صياغة القرار الاقتصادي.
واختتم بالقول: الانتقال من مرحلة التعافي إلى مسار تنمية مستدامة يتطلب إرادة حقيقية، وإشراك السوريين المغتربين كجزء من الحل، لا مجرد مصدر تمويل.