الثورة – إيمان زرزور:
عانى قطاع التعليم في سوريا على مدى سنوات الحرب من استهداف ممنهج وتدمير واسع، جعله من أكثر القطاعات تضررًا وتأثيراً في حياة السوريين، وخصوصًا الأطفال، فقد تسببت سنوات الحرب الطويلة بخروج آلاف المدارس عن الخدمة، إمّا بفعل القصف أو بسبب تحويلها إلى ملاجئ للنازحين أو مقار عسكرية، ما حرم ملايين الأطفال من حقهم الأساسي في التعلم.
ووفق تقارير مشتركة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ووزارة التربية السورية، فإن أكثر من ثلث المدارس السورية تعرّضت لأضرار جعلتها غير قابلة للاستخدام، أما المدارس التي بقيت قائمة، فهي تعاني في كثير من الأحيان من ظروف تعليمية شديدة الصعوبة، كالاكتظاظ الكبير في الصفوف، ونقص التجهيزات الأساسية كالكراسي والنوافذ والمرافق الصحية، فضلًا عن غياب وسائل التدفئة والتبريد.
في ظل هذا الواقع القاسي، برزت الحاجة الملحّة لإعادة تأهيل المدارس، كخطوة أولى نحو ترميم النسيج المجتمعي وبناء مستقبل أكثر استقرارًا للأطفال، وتوزّعت هذه الجهود بين مبادرات تقودها الحكومة السورية وأخرى تشارك فيها المنظمات الأممية والمجتمع المحلي.
تنفّذ وزارة التربية بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة برامج ترميم تدريجية للمدارس، تتركّز في المناطق الآمنة بحسب أولويات الحاجة، وتقوم منظمات الأمم المتحدة، وعلى رأسها اليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بتمويل مشاريع لإعادة بناء الفصول المتضررة، وتزويد المدارس بالأبواب والنوافذ، وتوفير مرافق صحية ومياه نظيفة، بالإضافة إلى تجهيزات دراسية كالطاولات والسبورات والمواد التعليمية.
إلى جانب ذلك، تسهم المجتمعات المحلية بدور لافت في عمليات الصيانة والتنظيف وإعادة التأهيل البسيطة، حيث يتطوع الأهالي والطلاب والمعلمون لإحياء مدارسهم رغم محدودية الموارد، لكن، رغم هذه الجهود المتنوعة، لا تزال عملية ترميم المدارس في سوريا تصطدم بعدة معوّقات جوهرية أبرزها نقص التمويل إذ تعتمد معظم مشاريع الترميم على المنح والمساعدات الخارجية، التي غالبًا ما تكون غير كافية أو غير منتظمة.
أيضاً الدمار الواسع حيث أن العديد من المدارس لم تعد قابلة للترميم، وتتطلب إعادة بناء من الصفر، علاوة عن الأوضاع الأمنية فبعض المناطق لا تزال غير آمنة لدخول فرق الصيانة، إما بسبب العمليات العسكرية أو وجود الألغام، وكذلك نقص الكوادر المؤهلة حتى بعد الترميم، تعاني بعض المدارس من غياب المعلمين نتيجة الهجرة أو نقص التأهيل التربوي.
ورغم العقبات، يتطلع الأهالي إلى جني ثمار هذه الجهود على الأرض، من حيث مساهمة إعادة فتح المدارس في الحدّ من تسرب الأطفال من التعليم، وإعادتهم إلى مساحة آمنة نسبيًا تمكّنهم من مواصلة التعلم والتعافي النفسي، علاوة عن استعادة المدارس دورها المجتمعي كمراكز تواصل وتكافل، تجمع السكان وتوفر بيئة تساعد على تجاوز آثار الحرب تدريجيًا.
والثابت اليوم، أن عملية إعادة تأهيل المدارس في سوريا تمثل مشروعاً وطنياً وإنسانياً طويل الأمد، يتطلب تكاتف الجهود المحلية والدولية، ورؤية واضحة تضمن استدامة الدعم المادي والمعنوي، فمن تحت الركام تولد فرص جديدة، وبالعلم تُبنى الأوطان وتُصان الأجيال نحو بناء سوريا جديدة ترتقي بالعلم.