وفق قناعة أوسكار وايلد: (خلق الإنسان اللغة ليخفي بها مشاعره)، يبدو الصمت، كلغةٍ مضادة للغة المنطوقة، وسيلة أوضح وأقوى لإظهار المشاعر.
قرأتْ تلك المقولة واستقبلتها كأنها تنتمي للعبة (قلب البديهيات)، عكسها والنظرفي انكشافات النقيض لها..لطالما كانت اللغة الأداة التقليدية الأسهل للتواصل مع الآخر.
لا يمنع الأمر من كونها (قناعاً) بما تضمره من معاني: الإلهاء، التشتت، وحتى التضليل..وكما قال “فيتغنشتاين”: (للكلمات أعمال).. ومن تلك الأعمال ما يتمثل بسوء الفهم.
يساء فهم المقاصد والنوايا المتجسدة لغوياً، إذاً ألا يُساء فهم (الصمت)..؟لجأتْ أخيراً إلى (الصمت).. هي التي إحدى مهاراتها ملاعبة الكلمات، ليس بقصد التشويش على معانٍ أرادتها، إنما لغاية إيصالها بأكثرالعبارات أناقةً..
ومع ذلك حيّرتها قدرة اللغة على المراوغة.. التي تبدو أحياناً كأرض ملغومة بمفخخات التفسير لدى الآخر.
ألا يمتلك الصمت مفخخاته الخاصة..؟.
فله الكثير من التأويلات، وينسحب ليتماهى لدى البعض مع معاني: البعد، الاختفاء، الانسحاب، أو الإفلاس الروحي/المعنوي.
بقي بالنسبة لها يتأرجح ما بين معنيين فيهما شيء من تناقض..فمرةً يحلو لها أن تراه مفتاحاً لمعانٍ لا ندركها بصخب اللغة..
أي قوة ناعمة بمستوى تواصل أعمق، حين تعجز عن تخزين شعورك وأفكارك بألفاظ منطوقة ليس لها ذات الصدى والوزن المعنوي لدى الآخر..ومرةً تراه لغة غضب سُرقت ألفاظه وأصواته..
الصمت غضبٌ اختنق صوته.. قوة مواجهة جارحة.هل الصمت هو الذي يتأرجح ما بين المعنيين.. أم هي من تتأرجح مشاعرها وتدوخ من كثرة انهماكها بتقليب النقيضين..؟.
ما تدركه تماماً أن الصمت كان آخر أدواتها لإدارة معارك مشاعرها الصاخبة.. لأنه الصارخ من اللغات بهدوء هيئته المحيّرة.