الثورة – عبير علي:
عندما يتحوّل الفن إلى رسالة تُولد من رحم المعاناة، يصبح اللون أبلغ من الكلمة، وتصبح اللوحة مرآةً تنعكس فيها جراح الأرض ووجع الأرواح.
هكذا كانت تجربة الفنانة التشكيلية رنا عثمان بعد الحريق المأساوي الذي التهم غابتنا الخضراء.. عجزت عن الكتابة بالكلمات، فكتبت بالألوان، ورسمت لوحة تنطق بالصمت، وتبكي من دون صوت، لتُخبرنا أن ما احترق لم يكن فقط الشجر، بل ظنوننا الطفولية عن الحياة، عن الظل، عن الطيران.
الطيور الورقية التي رسمتها لم تكن طيوراً، بل أوهام نجاة علّقنا عليها أحلامنا الصغيرة، والوجوه المتوارية وسط ألسنة النار كانت أرواحاً لم تصرخ، بل احترقت بصمت، كأنها تنتظر من يطفئ النار داخلها لا حولها.
وفي حديث لصحيفة الثورة، وصفت الفنانة رنا عثمان لوحتها قائلة: “الحريق لم يكن مجرد نار تلتهم الأغصان، بل كان صمتاً ثقيلاً خنق الأرواح دفعة واحدة.. لم تختنق قلوبنا بالدخان فقط، بل بعجزنا أمام اللهيب، الهواء صار خفيفاً حد الذهول، وكأن الحياة نفسها توقفت لتبكي معنا.
” وتابعت بأسى: “لم تسقط الأشجار وحدها، بل سقطت ظنوننا بأن الطبيعة أمٌ لا تخون، حتى الطائرتين الورقيتين اللتين علّقنا عليهما أحلامنا في الطفولة، سقطتا محترقتين، وكأنهما من الغابة لا من السماء.
” لكن، ورغم كل هذا الرماد، تبقى الفنانة عثمان على يقين أن المطر يعرف طريقه إلى القلوب المحروقة، وأن الشجر سيعود، لا كما كان، بل أكثر خُضرة، يحمل في كلّ ورقة غفراناً، ودروساً، ووعداً جديداً بالحياة.