الثورة – عبد الحميد غانم:
تعتبر صناديق التنمية بعد الحروب آليات تمويلية تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار والتنمية في المناطق المتضررة، وتساهم هذه الصناديق في إعادة بناء البنية التحتية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي في تلك المناطق، وإلى تأمين السلام والأمن وتأمين بيئة اجتماعية واقتصادية لتعزيز قدرات التنمية والتطوير.
السيد الرئيس أحمد الشرع أصدر المرسوم رقم (112) لعام 2025 القاضي بإحداث مؤسسة ذات طابع اقتصادي في الجمهورية العربية السورية، تسمى صندوق التنمية يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، مقره دمشق ويرتبط برئاسة الجمهورية.
حول أهمية هذه الخطوة، وما تؤول إليه باعتبارها خطوة بالاتجاه الصحيح لدفع إعادة الإعمار في البلاد، وما يمكن أن تثيره من تساؤلات وآراء حول آلية العمل والتحديات التي يمكن أن تواجه التطبيق.
محرك حقيقي لأي نهوض اقتصادي
يؤكد رئيس مجلس النهضة السوري الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور عامر ديب، أن إحداث “صندوق التنمية” في سوريا يمثّل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إعادة الإعمار بعد سنوات الحرب، بشرط أن يُدار بشفافية ويُبنى على أسس تنموية حقيقية، لا أن يتحوّل إلى أداة بيروقراطية أو مالية شبيهة بتجارب سابقة مؤلمة في عهد النظام المخلوع، حيث استُغلت تحت عناوين نبيلة لجمع الأموال دون نتائج ملموسة.
وأشار إلى أنه في التجارب العالمية، تلعب صناديق التنمية دوراً حيوياً في إعادة بناء البنية التحتية، وتحفيز النشاط الاقتصادي، وخلق فرص عمل، شريطة أن تكون مكملة للمصارف وليست بديلاً عنها.
وبين الخبير ديب أن البنوك تبقى الأداة التقليدية والأكثر استدامة في تمويل الاقتصاد، بينما تأتي الصناديق التنموية كرافعة إضافية، خاصة في مراحل إعادة البناء والإنعاش.
لكن الأمر هنا- كما يقول الخبير ديب- يتطلب إجابات حول تساؤلات عدة، تتعلق بـ: كيف ستُعتمد المشاريع التي سيمولها الصندوق؟ ومن الجهة التي ستضع المعايير، وهل ستكون مستقلة؟ وهل التمويل متاح للقطاع الخاص أم محصور بمشاريع الدولة؟
والأهم: ما هي آلية “القرض الحسن” المعلنة؟ وهل فعلاً ستكون خالية من الفوائد أم ستُفرض شروط مخفية؟
وأوضح الخبير ديب، أنه إذا كان الهدف تنموياً، فإن تمويل القطاع الخاص، وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يجب أن يكون أولوية، كونها المحرك الحقيقي لأي نهوض اقتصادي.
قواعد رشيدة
وشدد على أنه يجب أن تُمنح الأولوية للمشاريع التي تحقق قيمة مضافة وتخلق فرص عمل، لا لتلك التي تُستخدم كمجرد أدوات إنشائية دون رؤية إنتاجية.
وبين الخبير ديب أن القرض الحسن، هو مفهوم تمويلي راقٍ في حال طُبّق فعلاً، إذ يُقرض المال من دون فائدة ويُعاد على دفعات ميسّرة، لكن نجاحه مرتبط بآلية توزيع شفافة، وتقييم صارم للمشاريع المتقدمة، وضمان عدم احتكار التمويل من قبل طبقة متنفذة أو عبر المحسوبيات.
وأشار إلى أن تأسيس وإطلاق الصناديق لابد أن يكون على قواعد رشيدة، تحترم المال العام وتخدم كل السوريين، بعيداً عن الشعارات، وبعيداً عن النماذج التي اختزلت التنمية في الشكل وأهملت المضمون.
ورأى الخبير ديب أن تشكيل “المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية” وفق (المرسوم 115) يجب أن يكون بمثابة الضامن والمرجعية الرقابية لتوجيه الصندوق وضمان التوازن بين القطاعين العام والخاص، وبين المركز والمحافظات، وبين الطابع الاقتصادي والاجتماعي.
حاجة ملحة
الخبيرة في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدكتورة سناء شامي، قالت لـ”الثورة”: لقد تضرر النسيج الاجتماعي والاقتصادي والمالي، والإنتاجي، والتعليمي، والتربوي وحتى الأخلاقي بسبب النزاعات والصراعات الطويلة التي مرت بها البلد والمنطقة.
وأكدت أن قرار الحكومة بإنشاء صناديق التنمية يصبح حاجة ملحة وأساسية لا بد منها لتعافي البلد في جميع المجالات مثل: الرعاية الصحية والتعليم، إذ عطلت الحرب والعقوبات الخدمات الصحية والتعليم، وأموال التنمية لا بد منها لإعادة هيكلة هذين القطاعيين الأساسيين لنهوض المجتمع وتعزيزهما.
وكذلك تعزيز المصالحة والاستقرار، فالصراعات أحدثت انقسامات عميقة داخل المجتمع السوري، لذلك لا بد من مشاريع المصالحة، ودعم منظمات المجتمع المدني، ومبادرات بناء السلام، مما يُساعد على تعزيز الاستقرار على المدى الطويل.
وتطرقت شامي إلى أن الصناديق تسهم في الحد من الفقر وعدم المساواة، إذ فاقمت الحرب الطويلة والعقوبات الاقتصادية الفقر وعدم المساواة، لهذا السبب فإن أموال التنمية هي حاجة حتمية لصناعة برامج الحد من الفقر، والحماية الاجتماعية، والإدماج الاقتصادي لمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً على التعافي من الأزمات.
ونوهت بأهميتها في منع النزاعات في المستقبل، فيمكن أن يُساعد الاستثمار في التنمية طويلة الأجل في منع تكرار النزاعات من خلال معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، مثل الفقر، والإقصاء الاجتماعي، ونقص الفرص.
بناء السلام
ولفتت إلى أن صناديق التنمية تُعد في مرحلة ما بعد الصراع ضرورية لإعادة الإعمار والتعافي وبناء السلام الدائم، مما يساعد على خلق مجتمعات أكثر مرونة وشمولاً وازدهاراً، وقالت: إنه لإنجاح هذا القرار، لا يكفي المال وحده، بل الوعي والعدل والمثابرة ورسم أهداف مستقبلية تمنح سوريا أوكسجين كرامة تسمح لها بالنهوض لاستعادة مكانتها الطبيعية والتاريخية على جميع الأصعدة.
وتمنت الدكتورة شامي أن يخصص السيد الرئيس أحمد الشرع صندوقاً لدعم الغرف السورية التقليدية وكل الأعمال والفنون والدراسات التاريخية التي يمكن لها أن تساهم في إحياء الهوية السورية، وجمع الهوية الثقافية لسوريا تحت الهوية الوطنية.