الثورة – سيرين المصطفى
يُشكّل الاهتمام بأبناء الشهداء التزاماً إنسانياً وأخلاقياً يقع على عاتق المجتمع والدولة معاً، باعتبارهم أبناء من قدّموا حياتهم فداءً للوطن وأهله، ومن الطبيعي أن يحظى هؤلاء الأطفال برعاية مستمرة واهتمام شامل، تربوياً ونفسياً ومادياً، تعويضاً عن غياب آبائهم، وتأكيداً على أن الوطن لا ينسى من ضحّى لأجله.
وفي هذا الإطار، شهدت مدينة إدلب فعالية خاصة لتكريم مجموعة من الطلاب المتفوقين من أبناء الشهداء، نظمتها جمعية “القلوب الصغيرة”، بحضور مسؤول كتلة إدلب الأستاذ محمود رمضان، ومسؤول العلاقات العامة الأستاذ إسماعيل قدح، ومدير الشؤون الاجتماعية والعمل الأستاذ فراس كردوش، إلى جانب وفد رسمي من وزارة الدفاع.
جاء هذا التكريم ليؤكد على استمرار الدعم التعليمي والمعنوي لأبناء الشهداء، وتقديراً لإنجازاتهم الدراسية رغم الظروف الصعبة التي يعيشها كثير منهم، وشمل الحفل توزيع هدايا رمزية وسط أجواء احتفالية بسيطة، لكنها تركت أثراً عميقاً في نفوس الأطفال وذويهم.
من اللحظات المؤثرة في الحفل، كانت مشاركة الطفلة فاطمة، التي تحدّثت بفخر عن تفوقها الدراسي، مشيرة إلى أنها من الأوائل في صفها، وأضافت بابتسامة ممزوجة بالشوق: “أنا سعيدة لأنني رفعت رأس والدي، المعتقل منذ أحد عشر عاماً، ولم أره منذ ذلك اليوم”.
كلمات فاطمة كانت كافية لتلخّص المعاناة التي يعيشها أبناء المعتقلين، لكنها في ذات الوقت جسّدت قدرتهم على مواصلة الحياة وتحقيق النجاح في وجه الغياب والحرمان.
امتلأت القاعة بملامح الفرح التي ارتسمت على وجوه الأطفال، الذين شعروا للحظات أنهم ليسوا وحدهم، وأن تضحيات آبائهم لم تُنسَ، وأكد الحضور أن هذا التكريم ليس فقط تتويجاً لتفوقهم، بل هو رسالة وفاء واعتراف بأن أبناء الشهداء يمثلون جزءاً أصيلاً من المجتمع، يستحقون الدعم والاحتضان والرعاية.
وتعكس هذه المبادرات التربوية والاجتماعية أهمية دمج أبناء الشهداء في الحياة العامة، وتقديم نماذج ناجحة تثبت أن الإرادة قادرة على تجاوز الألم، وأن الدعم المعنوي يصنع فارقاً حقيقياً في مسيرة الأطفال التعليمية والنفسية.
لم يكن الحفل مجرد مناسبة عابرة، بل كان خطوة رمزية في سياق أوسع من الوفاء، وخطوة عملية تعزز من ثقة الأطفال بأن المجتمع يقف إلى جانبهم. فتكريم أبناء الشهداء لا يحمل بعداً احتفالياً فحسب، بل يُعدّ أحد أشكال الدعم التربوي والمعنوي، ورسالة واضحة بأن أبناء التضحيات سيحملون المستقبل، ولن يُتركوا في عزلة الحزن أو الغياب.
ومع استمرار هذه المبادرات، يتكرّس مفهوم المسؤولية المجتمعية تجاه من فقدوا آباءهم في سبيل الحرية والكرامة، ويصبح التكريم فعلاً يومياً يُترجم بالاهتمام الحقيقي، لا بالشعارات العابرة.