بقلم: ضياء قدور كاتب وباحث سوري
في تطور جديد يعكس تصعيداً خطيراً في ملف البرنامج النووي الإيراني، أعلن النظام الإيراني في يوليو 2025 عن تغيير جذري في طبيعة تعاونه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما أثار موجة من القلق والتحليلات الدولية حول مستقبل هذا التعاون وأثره على الأمن الإقليمي والدولي. يأتي هذا الإعلان في سياق توتر متصاعد بعد سلسلة من الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية حيوية، ما دفع النظام إلى اتخاذ خطوات تصعيدية تهدف إلى استعراض قوته والضغط على القوى الدولية.
في 12 يوليو 2025، صرح وزير خارجية النظام، عباس عراقجي، خلال لقاء مع سفراء أجانب في طهران، بأن “آلية الزناد ستكون نهاية للدور الأوروبي في الملف النووي الإيراني”، مؤكداً أن التعاون مع الوكالة “لم ينقطع لكنه سيتخذ شكلاً ومساراً جديداً” بسبب عدم رضا النظام عن أداء الوكالة. هذا التصريح جاء بعد أيام من مغادرة آخر مفتش للوكالة الأراضي الإيرانية عبر الحدود مع أرمينيا، في خطوة اعتبرها النظام تعليقاً رسمياً للتعاون مع الوكالة، كما أعلنت وسائل الإعلام الحكومية.
تأتي هذه الخطوة بعد إقرار البرلمان الإيراني في 25 يونيو 2025 قانوناً يقضي بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بناءً على معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وصادق عليه مجلس صيانة الدستور، وأصدر الرئيس مسعود بزشكيان أمراً رسمياً بتنفيذه. ينص القانون على تعليق أي شكل من أشكال التعاون مع الوكالة حتى تضمن الحكومة “أمن المنشآت والعلماء”، ويمنع التفتيش أو تركيب الكاميرات أو إرسال التقارير دون موافقة مسبقة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
يُنظر إلى هذا القرار على أنه مناورة ضعف من قبل النظام الإيراني، الذي يواجه ضغوطاً دولية هائلة بعد الضربات الجوية التي استهدفت منشآته النووية في فوردو ونطنز وأصفهان، والتي ألحقت أضراراً كبيرة بقدراته النووية. النظام يسعى من خلال هذه الخطوة إلى إخفاء حجم الدمار الذي لحق بمنشآته ومنع مفتشي الوكالة من الاطلاع على التفاصيل، بالإضافة إلى استخدام هذا التعليق كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية مع القوى الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا.
رد فعل الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان حازماً، حيث حذر مديرها العام، رافائيل غروسي، من أن قرار طهران بطرد المفتشين يقلل من الشفافية ويزيد من المخاطر على الأمن الدولي، مؤكداً ضرورة وجود المفتشين على الأرض للتحقق من كل شيء بأعينهم. هذا التحذير يعكس القلق الدولي من إمكانية تحول إيران إلى مرحلة “الغموض النووي”، حيث يصعب مراقبة نشاطاتها النووية بشكل دقيق، مما يزيد من احتمالات التصعيد العسكري أو انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.
على الرغم من التهديدات المتكررة بالانسحاب الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن النظام الإيراني حتى الآن اكتفى بتعليق التعاون مع الوكالة مع الحفاظ على عضويته في المعاهدة. هذا التناقض يعكس حالة التردد واللعب على الحبلين التي تميز سياسة النظام، حيث يحاول التظاهر بالصلابة داخلياً مع ترك نافذة مفتوحة للتراجع في المفاوضات الدولية.
ومن الداخل الإيراني، ظهرت أصوات تحذر من خطورة هذه الخطوة، حيث أصدرت “جبهة الإصلاح” بياناً في 8 يوليو تعبر فيه عن قلقها العميق من القانون الأخير الذي يعلق التعاون مع الوكالة، معتبرة أن هذه الإجراءات “تتعارض مع المصالح الوطنية وأمن النظام”، وتحذر من عواقب خطيرة بما في ذلك زيادة احتمال تفعيل آلية الزناد التي قد تؤدي إلى تصعيد أمني خطير.
في السياق ذاته، تزامنت هذه التطورات مع سلسلة من الهجمات التي نفذتها الولايات المتحدة وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو 2025، والتي شملت ضربات جوية مكثفة على مواقع في فوردو ونطنز وأصفهان، بالإضافة إلى عمليات استخباراتية معقدة استهدفت قادة عسكريين وعلماء نوويين. هذه الضربات أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية النووية الإيرانية، وأثارت ردود فعل إيرانية عنيفة، منها إطلاق صواريخ باليستية على الأراضي الإسرائيلية.
تظهر هذه الأحداث أن النظام الإيراني يواجه مأزقاً استراتيجياً بين الرغبة في تطوير برنامجه النووي والتصدي للضغوط الدولية، وبين الحاجة إلى الحفاظ على حد أدنى من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتجنب عزلته الدولية الكاملة. التعليق الجزئي للتعاون هو محاولة للضغط على المجتمع الدولي، لكنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى تصعيد عسكري أو عقوبات أشد، مما يهدد استقرار النظام نفسه.
في الختام، يمكن القول إن هجمات النظام الإيراني على الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمثل انعكاساً لتوترات متصاعدة في الملف النووي الإيراني، حيث يستخدم النظام هذه الخطوة كأداة سياسية وعسكرية في مواجهة الضغوط الدولية، إلا أن هذه المناورة تنطلق من موقف ضعف قد يقوده إلى عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي والدولي، وتفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة قد تشمل تصعيداً عسكرياً أو أزمة دبلوماسية حادة.