الثورة – بسام مهدي:
في خضمّ معركة السيادة الوطنية التي تخوضها الدولة السورية على مختلف الجبهات، تبرز جبهة لا تقل خطورة عن العمليات العسكرية أو المواجهات الأمنية، إنها جبهة التحريض الممنهج ونشر الإشاعات، والتي باتت أداة رئيسة بيد جهات خارجية وأذرع إعلامية وتنظيمات مأجورة، تسعى لتقويض الاستقرار الوطني وزعزعة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.
سلاح الحرب الناعمة
لم تعد الحروب الحديثة تعتمد فقط على السلاح التقليدي، بل أصبح الإعلام أداة فاعلة ومؤثرة في توجيه الرأي العام، وإثارة البلبلة، وبثّ الشك واليأس في نفوس المواطنين. في هذا السياق، تلعب الإشاعة دور “القنبلة المعنوية”، التي تُستخدم لتفكيك النسيج المجتمعي، وإرباك مؤسسات الدولة، والنيل من هيبتها.
الإشاعة لا تُطلق عبثاً، بل تُصاغ بدقة وفق أجندات مدروسة، وغالباً ما تحمل عناصر الإثارة والغرابة والصدمة، وتنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الكترونية مجهولة التمويل والانتماء، تديرها جهات تتقن فنون الحرب النفسية.
من يقف وراء ماكينة التحريض؟
اللاعبون في هذه المعركة الخفية كثر، بدءاً من محطات إعلامية إقليمية ودولية، مروراً بمنصات رقمية مشبوهة، وانتهاءً بأفراد متورطين في أجندات تخريبية.. هؤلاء جميعاً يجتمعون على هدف مشترك: إضعاف الدولة السورية، عبر نشر الفوضى المعلوماتية والتشويش المتعمد على الحقائق.
التحريض الممنهج غالباً ما يرتكز على تضخيم الأخبار، أو فبركة أحداث لا أساس لها، أو استخدام جزء من الحقيقة وتضخيمه خارج سياقه الطبيعي، لإيهام الجمهور بوجود “حالة انهيار” أو “انقسام داخلي”، وهو ما شهدناه مؤخراً في المزاعم المغرضة حول مؤسسات سيادية ورموز وطنية، تم تداولها من قبل قنوات تزعم الحيادية مثل قناة الميادين، من دون أي إثبات أو توثيق.
من المستفيد؟
لا يمكن فصل هذه الحملات الإعلامية عن المشاريع السياسية التي تستهدف مستقبل سوريا.. المستفيد الأول من نشر الإشاعات هو العدو الذي عجز عن تحقيق أهدافه عسكرياً، فاتجه إلى تفكيك الجبهة الداخلية. كما تستفيد منها التنظيمات الخارجة عن القانون التي تسعى لإطالة أمد الفوضى، وتستفيد منها أطراف إقليمية لا تزال تعيش وهم الهيمنة على القرار السوري.
الأخطر من ذلك، أن بعض الأصوات المحلية، إما بسبب الجهل أو الطيش أو التورط، تتحول إلى أبواق تردد هذه الإشاعات من دون تحقق أو وعي، فتساهم عن غير قصد في خدمة مشروع التحريض، وتسهيل مهمة العدو في الداخل.
كيف نواجه هذه الإشاعات؟
أولاً، رفع الوعي الشعبي.. الوعي هو السلاح الأمضى في مواجهة الأكاذيب. كل مواطن يجب أن يكون على قدر عالٍ من المسؤولية، وألا يكون أداة في تمرير الإشاعات أو الترويج لها، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانياً، التأكد من المصادر الرسمية.. عند تلقي أي خبر يخص الشأن العام أو يطال شخصيات أو مؤسسات وطنية، يجب الرجوع إلى المصادر الرسمية فقط، وعدم الانسياق وراء الصفحات والمواقع المشبوهة.
ثالثاً، الرد السريع والتوضيح المهني.. على المؤسسات الإعلامية الوطنية أن تكون سبّاقة في الرد على الإشاعات وكشف زيفها، بأسلوب احترافي مدعوم بالأدلة، وتقديم الحقائق للرأي العام بشفافية.
رابعاً، تفعيل الدور القانوني.. يجب تفعيل القوانين الرادعة بحق من يروّج الإشاعات بقصد الإساءة لأمن الدولة واستقرارها، سواء كانوا أفراداً أو جهات، وتقديمهم للعدالة.
ختاماً..
سوريا اليوم تقف على مفترق طرق حاسمة، ومعركة الوعي باتت من أهم معاركها، فكما تواجه الدولة على الأرض من العمليات العسكرية أو المواجهات الأمنية، تواجه في الفضاء الرقمي والتواصلي ماكينة إعلامية ضخمة تُغذى من الخارج لتقويض أمنها واستقرارها.
إن التحريض الممنهج ونشر الأكاذيب ليس مجرد “رأي” أو “حرية تعبير”، بل هو عدوان ناعم يستهدف العقل الجمعي للأمة، ومواجهته لا تتم بالصمت، بل بالوعي والموقف الوطني والانضباط الإعلامي.
المواطن السوري، الذي اختبر مرارات الحرب وواجه العواصف، أثبت أنه قادر اليوم أيضاً على إسقاط الإشاعة، كما أسقط مشاريع أعدائه من قبل، لأن البوصلة لم تخطئ يوماً في التمييز بين من يحب هذا الوطن، ومن يتربّص به شراً.