التكنولوجيا الطبية.. رافعة لإعادة بناء النظام الصحي السوري

الثورة – بسام مهدي:

أكثر من عقدٍ على الحرب التي خلّفت دماراً واسعاً في البنى التحتية للنظام الصحي السوري، وأدت إلى نزيف حاد في الكوادر الطبية، وتفاقم الأعباء على المواطنين في الحصول على أبسط أشكال الرعاية.

ومع استمرار الأزمات وتراجع الخدمات في العديد من المناطق، تبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة، تتجاوز الإعمار التقليدي نحو إصلاح جذري، وهنا تبرز التكنولوجيا كأداة محورية لإعادة بناء النظام الصحي.

في هذا السياق، يرى الدكتور إحسان كعدان، أستاذ مساعد في جامعة راش في شيكاغو وهو طبيب مختص في أمراض الأوعية، وخبير في السياسات الصحية، وقاد العديد من المشاريع في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، مع التركيز على إصلاح النظم الصحية والابتكار في الصحة الرقمية، أن “الرقمنة لم تعد ترفاً بل ضرورة وجودية”، مشيراً إلى أن تسخير التكنولوجيا الطبية الحديثة يمكن أن يعوّض عن جزء كبير من الفجوات البشرية والمادية التي خلّفتها الحرب.

خارطة الطريق

ست لبنات أساسية يعتمد كعدان في رؤيته على الإطار الذي حددته منظمة الصحة العالمية لأي نظام صحي فعّال، والمتمثل في “اللبنات الست”، الحوكمة، القوى العاملة، التمويل، الأدوية، نظم المعلومات الصحية، وتوصيل الخدمات.

ويؤكد أن نقطة الانطلاق يجب أن تكون من “نظم المعلومات الصحية”، إذ تكمن أكبر الفجوات، وأبرز الفرص.

وفي مجال الصحة العامة التي تقوم على البيانات أولاً، فإن أولى الخطوات هنا تتمثل في بناء قاعدة بيانات وطنية موثوقة للصحة العامة، باستخدام منصات رقمية متقدمة تتيح رصد المؤشرات الصحية بشكل دوري، يشمل ذلك معدلات التطعيم، وفيات الأمهات، الأمراض المزمنة، وانتشار الأوبئة.

ويضيف كعدان: إن البيانات الدقيقة تسمح باتخاذ قرارات قائمة على الأدلة، وتضمن شفافية السياسات الصحية.

المستشفيات والمراكز من الورق إلى الشاشات

من أبرز التحديات التي واجهها كعدان خلال مشاركته في مهمة طبية بمشفى حلب الجامعي مع الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، هو غياب السجل الصحي الإلكتروني.

فالسجلات الورقية المهترئة لا تواكب احتياجات التشخيص والمتابعة، وتعرقل تنسيق الرعاية، ويعتبر كعدان أن إدخال نظام إلكتروني موحد للملفات الصحية من شأنه تسهيل وصول الأطباء إلى معلومات دقيقة، وتقليل الأخطاء الطبية، وتحسين جودة الرعاية والتنسيق بين المستويات المختلفة، وتعزيز المتابعة المستمرة للمريض، ويدعو إلى تطبيق هذا النظام تدريجياً بدءاً من المشافي التعليمية الكبرى، وصولاً إلى المراكز الريفية.

الرعاية الفردية

الطب عن بعد في ظل صعوبات التنقل، وانقطاع الخدمات الأساسية، نرى كيف يقدم الطب عن بعد (Telemedicine) حلاً عملياً وفعّالاً، خاصةً في المناطق النائية، فمن خلال تطبيقات بسيطة أو اتصال هاتفي، يمكن للطبيب تقديم الاستشارات، تعديل جرعات أدوية مزمنة، طلب تحاليل، وحتى تقديم الدعم النفسي.

يقول كعدان: “هذه الخدمات لا تتطلب تجهيزات متقدمة، لكنها تُحدث فرقاً كبيراً في حياة الناس، وتخفف العبء عن المرافق المكتظة”.

وفيما يخص التوصيات العملية للتحول الرقمي الصحي لتحقيق هذه الرؤية، يقدّم الدكتور كعدان مجموعة من التوصيات العملية القابلة للتنفيذ منها، تطوير استراتيجية وطنية متكاملة للتحول الرقمي في القطاع الصحي، وكذلك التعاون مع المنظمات الدولية والدول المانحة لدعم البنية التحتية الرقمية، تدريب الكوادر الطبية والإدارية على استخدام أدوات التكنولوجيا، إضافة للبدء بمشاريع ريادية صغيرة قابلة للتوسع، مثل رقمنة سجلات المراكز الصحية في المناطق المستقرة.

نظام صحي عصري ومستدام

إن إعادة بناء النظام الصحي السوري تتطلب حلولاً رقمية قادرة على تعويض النقص الحاد في الموارد، وتقديم خدمات أكثر كفاءة وعدالة، خاصة للفئات الهشة والمحرومة.

ورغم صعوبة التحديات، فإن تجربة سوريا مع الرقمنة في قطاعات أخرى، كالتعليم والاتصالات، تثبت أن الإمكانات موجودة وينقصها فقط الإرادة والتخطيط.

ويختم الدكتور كعدان بالقول: إن التكنولوجيا ليست بديلاً عن الطبيب، لكنها أفضل معين له في ظروف استثنائية كالتي نعيشها اليوم.