الثورة – فؤاد العجيلي:
في مشهد يعكس أعمق معاني التلاحم الوطني، عبّر العديد من أهالي مدينة حلب عن فخرهم بانتمائهم السوري، مؤكدين أن الوطن بمكوناته كافة ما زال يحتضن أبناءه في أحلك الظروف، وأن ما يجمعهم أكبر من أي اختلافات سياسية أو اجتماعية. في أحياء المدينة وضمن جلسات المقاهي الشعبية والأسواق “باب جنين” و”ساحة سعد الله الجابري” و”الحديقة العامة” و”المتحلق”، يردد السكان عبارة: “السوريون يحتضنهم الوطن وتوحدهم الإنسانية”، كرسالة مفتوحة ضد التفرقة ودعوة صريحة للتماسك في وجه الأزمات التي ألمّت بالبلاد خلال السنوات الأخيرة.
الإنسان أولاً
يقول الحاج عبد الله- متقاعد: “عانينا الحرب والحصار، لكن ما لم يسقط هو الشعور أن كل سوري هو أخ وشريك في المعاناة والأمل، الإنسانية كانت دائماً الرابط الأقوى بيننا، حتى حين غابت الكهرباء والماء والطعام. “ويؤكد مصطفى، شاب متطوع في جمعية خيرية، أن الكثير من الشباب في حلب “يتخطون الحواجز الطائفية والعرقية، ويركزون على العمل التطوعي ومساعدة الآخر كأولوية لا تنازل عنها”. خلال كارثة الزلزال الذي ضرب شمال وشمال غرب سوريا في شباط 2023، كانت حلب شاهدة على مواقف مشرّفة، إذ بادر المواطنون في أحياء الحمدانية، والخالدية، والميدان وغيرها، إلى استقبال المتضررين من محافظات مجاورة، وتوفير الإيواء والطعام والمساندة النفسية، من دون سؤال عن الأصل أو الانتماء. يشير سليمان محمد، اختصاصي نفسي في مركز دعم مجتمعي، إلى أن “كل من تضرر، وجد حضناً مفتوحاً في بيوت الناس، لم تُسأل طفلة أو أم أو عجوز عن هويتهم، سُئلوا فقط: هل أنتم بخير؟ هذا هو الوطن الحقيقي.”
حاضن إنساني
من جهته، يرى مدرس مادة التربية الإسلامية عبد الكريم علي، أن رسالة الإسلام والديانات عامة هي تعزيز قيمة الإنسان بغض النظر عن قوميته أو معتقده السياسي، مضيفاً: نحن في حلب نعيش مع جميع مكونات الشعب السوري بديانتهم ومذاهبهم منذ قرون، ولم يفرقنا شيء، لأن الوطن هو الجامع بيننا والإنسانية توحدنا، وإن أكرمنا عند الله أتقانا.
طلاب الجامعات ومبادرات شبابية ساهمت بشكل فعال في ترسيخ هذه القيم. فرق تطوعية في جامعة حلب نظّمت حملات لجمع التبرعات للنازحين، بينما نشطت مبادرات الفن والدراما المجتمعية لتعزيز مفاهيم “الهوية الجامعة” والإنسانية المشتركة. رسالة أهالي حلب تتجاوز حدود الجغرافيا والزمان: الوطن لا يفرّق، بل يجمع، والإنسانية هي رابط السوريين الأول، وبينما تُثار على الساحة خلافات سياسية وتحديات معيشية خانقة، يبقى نبض الناس في الشارع السوري أقوى من كل صوت آخر.. نُحب الوطن، ونعرف أن السوريين لبعضهم، قبل كل شيء.