سلمان المسعودي – كاتب سعودي
جاء خفض التصعيد الأخير في السويداء، أو ما يمكن أن نسميه كذلك، بدون أدنى شك من خلال تفاهمات عدة، بين دول عربية فاعلة، إضافة إلى تركيا و أعضاء فاعلين في مجلس الأمن، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار، تأكيد الولايات المتحدة، الخميس الماضي، أنها عارضت ضربات إسرائيل في سوريا.
إلا أن تصريحات نتنياهو الأخيرة، مازالت تبعث على مزيد من القلق، حيث أعلن: نعمل على ضمان، بقاء جنوب غرب سوريا “منزوع السلاح”!
هذا يعني، أن إسرائيل، تريد المثلث الممتد من دمشق إلى السويداء ثم الجولان، منطقة منزوعة السلاح!
مما يهيّئ بدوره لعدة خيارات مستقبلية، فتل أبيب تسعى إلى فرض إدارة تتبع لها بالقرب من حدودها في منطقة جنوبي سوريا، إلا أن الأخطر، هو إمكانية عزل المنطقة تماماً عن السيادة السورية، أو حتى إقامة كيان مستقل، يحظى بالدعم والحماية الإسرائيلية، وهو مطلب، لا تخفي كثير من الدوائر الإسرائيلية، الحديث عنه وإن بشكل علني.
إلا أن عدة اشكاليات، تقف أمام الطموحات الإسرائيلية المعلنة وغير المعلنة في الجنوب السوري، فدرعا المحافظة والمدينة “مهد الثورة السورية” بثقلها السكاني السني، تفصل بين السويداء والحدود الإسرائيلية المفترضة في الجولان، إضافة، إلى أن مدينة دمشق العاصمة، ومركز الثقل السياسي للبلاد، وثاني أكبر المدن السورية بعد حلب، لاتبعد أكثر من 100كم عن محافظة السويداء .
هذه إشكاليات جيوسياسية حقيقية، وتعد من أكبر العقبات أمام المشاريع الإسرائيلية المستقبلية، في الجنوب السوري.
إن الطموحات الإسرائيلية، التي يعلن عنها المسؤولون الإسرائيليون، تذكرنا بمشاريع مماثلة، استثمرت فيها إسرائيل الكثير من الوقت والجهد والمال، وانتهت بفشل ذريع، لم تتوقعه حتى أكثر النخب السياسية الإسرائيلية تشاؤماً.
ففي عام 1982، خاضت إسرائيل، عقب اجتياحها جنوب لبنان تجربة مماثلة لما تنوي القيام به الآن في سوريا، ولم يتأخر الوقت كثيراً حتى وجدت العملاء، وظهر ماعرف وقتها “بجيش لبنان الجنوبي” بقيادة الضابط المنشق، عن الجيش اللبناني آنذاك، أنطوان لحد.
لاحقاً، وفي عام 2000 انهار الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وانهار معه جيش لبنان الجنوبي، وهرب أنطوان لحد إلى إسرائيل، حيث أمضى بقية حياته، يدير مطعماً صغيراً في تل أبيب.
وقد عبّر أنطوان لحد في كثير من التصريحات الصحفيّة، التي أجرتها معه وسائل إعلام عبرية، عن ألمه الشديد، من تخلّي إسرائيل عنه، وعن مشروعه في حكم جنوب لبنان، وإن كان تحت الاحتلال الإسرائيلي!
فهل يعيد الإسرائيليون، استنساخ أنطوان لحد جديد، بعباءة سورية هذه المرة ؟!
مع الأخذ في الاعتبار، أن سوريا ليست لبنان، لا طائفياً، ولا ديمغرافياً، ولا جيوسياسياً، ولا حتى أي شي آخر.