الثورة – إيمان زرزور:
تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة حوادث استخدام السلاح في مشاجرات فردية ونزاعات محلية بمناطق مختلفة من سوريا، حيث سُجلت عشرات الجرائم الناتجة عن خلافات شخصية تحولت إلى مواجهات دموية، كان آخرها مقتل مدنيين اثنين في مدينة إدلب إثر خلاف فردي تطوّر إلى جريمة قتل، ما يعكس خطورة الانتشار غير المنضبط للسلاح في مجتمع لايزال خارجاً من أتون الحرب.
أدى تفكك سلطة الدولة المركزية خلال سنوات الحرب في سوريا إلى انفلات أمني واسع، رافقه تمدد ظاهرة التسلح الفردي والعشوائي، حيث وقعت كميات كبيرة من الأسلحة في أيدي المدنيين والمجموعات المسلحة دون رقابة قانونية أو مؤسسية، ونتيجة لذلك، باتت حيازة السلاح أمراً اعتيادياً ومشروعاً في الوعي المحلي، ما فاقم هشاشة الوضع الأمني وكرّس مناخاً من العنف.
وأسهم توفر السلاح في تحويل النزاعات البسيطة إلى مواجهات قاتلة، إذ لم تعد المشاحنات الفردية تُحل بالوسائل السلمية، بل غلب عليها خيار العنف المباشر باستخدام السلاح، وقد ارتفعت جرائم القتل والثأر، وتحوّلت بعض المناطق إلى بؤر توتر دائم، تغذيها العصبيات العائلية والانقسامات المناطقية والطائفية، مما يزيد من خطر انهيار ما تبقى من الروابط المجتمعية.
تؤدي فوضى السلاح إلى إضعاف قدرات المؤسسات الأمنية والقضائية، وتمنع فرض القانون على الجميع، وهو ما يتيح ظهور سلطات موازية تتمثل في ميليشيات محلية أو مجموعات مسلحة تفرض نفوذها خارج إطار الدولة، مستفيدة من غياب الردع الفعلي وصعوبة الملاحقة القانونية للجناة في ظل الانهيار المؤسساتي.
تُظهر تجارب دول عديدة مثل ليبيا والعراق أن المجتمعات الخارجة من النزاعات، والتي تفشل في ضبط السلاح، تبقى رهينة للفوضى، وتتحول إلى بيئات خصبة للجريمة المنظمة والتدخلات الخارجية، وفي الحالة السورية، مازال عدد كبير من المواطنين يحتفظون بأسلحتهم بدعوى الحماية الذاتية، مما يعيق جهود إعادة بناء الدولة، ويهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي طويل الأمد.
أوصت تقارير أممية ومحلية بجملة من الإجراءات العاجلة لمعالجة أزمة فوضى السلاح، في مقدمتها “فرض رقابة صارمة على تجارة وتخزين وتداول الأسلحة غير المشروعة، وإطلاق برامج حكومية ومجتمعية لجمع السلاح مقابل تعويضات مادية عادلة، وتنفيذ حملات توعية قانونية واجتماعية بمخاطر حيازة السلاح.
وشددت على ضرورة تمكين المؤسسات الأمنية والقضائية من القيام بمهامها في فرض القانون وملاحقة الجناة، وتفعيل التشريعات الرادعة مع حملات إعلامية تراعي الخصوصية المحلية.
يمثل ضبط السلاح العشوائي أولوية وطنية قصوى لضمان سلامة المجتمع السوري ومنع ارتداد الفوضى الأمنية، كما أنه شرط أساسي لنجاح أي عملية سياسية مستقبلية تهدف إلى بناء دولة القانون، وتحقيق السلم الأهلي والعدالة الاجتماعية.
فبدون نزع السلاح وضبط انتشاره، يبقى الاستقرار هشاً، والانتقال نحو مستقبل آمن مهدداً في كل لحظة.