الثورة – سعاد زاهر:
كانت الراحلة ديالا صلحي الوادي تتهيّأ للقاء صديقتها نادية، مساء صيفي دمشقي، يفيض بالهدوء والروتين، قد تكون جلست أمام المرآة، اختارت فستاناً بسيطاً، وربما عزفت مقطعاً قصيراً على آلة الفلوت، تلك التي لطالما كانت امتداداً لصوتها الداخلي، لم تعلم أن الموت ينتظر خلف الباب، بوجه مألوف، وصمت قاتل.
دخل زوج الخادمة التي تعمل لديها المنزل، لم يلفت حضوره الانتباه، لكنّه تسلل إلى الحمّام، وتربّص بها في لحظة عزلة، خنقها بوحشية، ثم سرق هاتفاً وبعض الحليّ، متعلّقات لا تساوي لحظة واحدة من قيمة روحٍ مثل ديالا.. ثم خرج كأن شيئاً لم يكن، ولكن في الطريق تلقفه أحد الشبان، وركض خلفه حين اشتبه به، ولكن حين هاجمه بسكين، تمكن من الفرار، ولكن إلى حين.
صدمة المجتمع كانت كبيرة، لكن ما حدث بعد ذلك كان لافتاً، في وقت قياسي، تمكّنت الأجهزة الأمنية السورية من إلقاء القبض على القاتل وزوجته، التي سهّلت له الدخول، وتمت إحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم، هذه السرعة كانت بمثابة عدالة، لصوتٍ صعقنا باغتياله.
ديالا لم تكن امرأة عادية، كانت موسيقية تحمل الجنسية البريطانية، ولدت لأبٍ موسيقار عراقي عظيم هو صلحي الوادي، الذي غادر وطنه تحت ويلات الحرب، ليؤسس في سوريا تجربة موسيقية متكاملة، أسّس فرقاً موسيقية، ودرّس أجيالاً، وكان عميد المعهد العالي للموسيقا في دمشق.
أما والدتها، سنيتا الوادي، فهي بريطانية الأصل، أنيقة، هادئة، مثقفة، غرست في ديالا حب الجمال، والتقاط النور من حضارتين، تخرجت ديالا من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق ضمن الدفعة السادسة، التي ضمت نخبة من الفنانين السوريين المعروفين مثل المخرج الراحل حاتم علي، والممثلين غسان مسعود، دلع الرحبي، ماهر صليبي، محمود عثمان، فؤاد حسن، ميادة ديب، وعارف الطويل، كانت ديالا جزءاً من هذه العائلة الفنية التي جمعتها أيام الدراسة، واعتبرتها “عائلة واحدة” بسبب الروابط القوية التي شكلتها مع زملائها.
كبرت ديالا وهي تعزف على البيانو، وتعيش للموسيقا، وشاركت في حفلات موسيقية في سوريا وأوروبا، عُرفت برهافتها، بتواضعها، بحبها للحيوانات، وباهتمامها بتعليم الأطفال الموسيقا، كانت تعمل على مشروع يمزج بين المقامات الشرقية والبنية الكلاسيكية الغربية، حلمٌ لم يكتمل.
ديالا لم تمت فقط.. انقطعت نغمة، وسكت الناي فجأة، لكن الموسيقا التي سكنت جسدها، ستبقى شاهدة على أن بعض الأرواح تُعزف، ولا تُنسى.