ثورة أون لاين – مصطفى المقداد: كعادتهم كلما التقوا، بحث الصحفيون هموم مهنتهم وما يواجهها من متاعب في مختلف الاتجاهات، الصحفيون الذين تجمعوا في بغداد قادمين من كل عواصم العرب
ليشاركوا زملاءهم العراقيين في الذكرى الثالثة والأربعين بعد المئة لعيد صحافتهم، الصحفيون وجدوا أنفسهم محكومين بالأحداث والاعتداءات على مهنتهم، وبالتطورات والمواجهات والخلافات السياسية الحاصلة في أكثر من دولة عربية، وخاصة سورية التي تعرض صحفيوها وإعلاميوها إلى اعتداءات وحشية من خلال الهجوم على مبنى محطة الإخبارية السورية وقتل سبعة من العاملين فيها، واللجوء إلى إحراق كل محتوياتها، وتخريب أجهزتها في ظاهرة تستعيد ممارسات وحدات القتل والتخريب الإرهابية التي عاثت فساداً وتخريباً وقتلاً في أماكن عديدة في حالات الدخول في مرحلة الفوضى نتيجة الاحتلال أو المواجهات الداخلية أو حالات الاختلال الأمني، أو الدخول في حالة الفوضى وغياب دور مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على القيام بمهمتها بالشكل المطلوب، في ظل تزايد الوجود المسلح وانتشار الأسلحة غير المرخصة في أيدي من لا ينصاعون لأوامر قيادات مركزية، ولا يدركون ما يقومون به، فضلاً عن عدم معرفتهم بحقيقة ما يجري على الأرض.
لم تكن الإخبارية السورية والاعتداء عليها وعلى صحفييها الحاضر الوحيد في حوارات الصحفيين العرب، لكنها كانت الحاضر الأبرز نظراً لما تشهده سورية من مواجهات وتفجيرات واغتيالات وأعمال تخريبية مازالت تتصاعد وتزداد سوءاً منذ أكثر من خمسة عشر شهراً لعب الإعلام والإعلاميون دوراً بارزاً في تحديد الكثير من مسارات هذه الأزمة، فقد ظهر الإعلام ووسائله المختلفة كقوة يمكن استخدامها في اتجاهات مختلفة، فإما أن تكون في خدمة الحقيقة وتقوم بنقل الوقائع والحقائق إلى جمهور المتلقين التزاماً بمواثيق الشرف الصحفي، وتطبيقاً للمعايير المهنية التي تعتمد المصداقية والموضوعية أسساً في تناول الأحداث ونقل الوقائع..
وإما أن تكون في خدمة المشاريع السياسية والمخططات المرسومة خارج حدود الوطن، فتغدو مهمة الإعلام والصحافة تشويه الوقائع، وقلب الحقائق، والعمل على اختلاق حوادث، وصنع أحداث وإعادة صياغتها وكأنها حقائق لا يرقى إليها الشك، وبالتالي استبدال الأكاذيب بالحقائق، والأضاليل بالوقائع الصحيحة.
الصحفيون الذين تنادوا لمساندة زملائهم الذين عرفوا القتل والتنكيل في ظل الاحتلال الأميركي للعراق، وانتشار حالة الفوضى على مدى سنوات الاحتلال نفسها فإنهم رأوا في حالات «الربيع العربي» اختلالاً في أداء وسائل الإعلام ومحطات التلفزة وانحرافاً عن دورها من خلال التركيز على إظهار جوانب استفزازية بالنسبة لفئات محددة الأمر الذي أسهم في تحديد اتجاهات كل الحراكات السياسية والاجتماعية في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن، وهو ما يتم العمل عليه بصورة أكبر في سورية من خلال الاستمرار في تشويه الوقائع وممارسة أعتى عمليات التحريض النفسي والاجتماعي في مسعى واضح للوصول إلى حالات اصطفاف انتقائية تزيد الأزمة اشتعالاً وتشيع حالة الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وتنشر ثقافة الحقد والكراهية في بيئة لم تعرف غير المحبة والتسامح على مدى التاريخ..
الشهادات التي قدمها الصحفيون بحق مؤسساتهم تعكس وعيهم لمهمتهم ولدورهم المهني من جانب وتعكس مواقفهم من الحكومات التي تدير وسائل الإعلام الخارجة عن ميثاقها، وهم يميزون تماماً بين مواقف تلك الحكومات، وبين الحقائق التي يتم تقديمها بصورة مخالفة للواقع وهم يرون أن الوقائع بدأت تفرض حضورها بشكل أكثر حضوراً..