الثورة – سمر حمامة:
تشهد البلاد موجة حر غير مسبوقة، وصفها خبراء الأرصاد بالقبة الحرارية، إذ ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية تتجاوز المعدلات الطبيعية بكثير.
وفي ظل هذه الظروف المناخية القاسية، تتفاقم معاناة المواطنين نتيجة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ونقص المياه، في غياب إجراءات فعّالة من الجهات المعنية للتخفيف من الأثر المباشر لهذه الظاهرة، فالحرارة المرتفعة، وانعدام وسائل التبريد، وشحّ المياه، تتحول إلى معاناة يومية تثقل كاهل المواطن البسيط، خاصةً كبار السن، والمرضى، والطلاب الذين يواجهون تحديات صحية ونفسية جسيمة.
تختلف الحكايات، لكن الألم واحد، والسبب واحد، غياب الخدمات الأساسية في لحظات يكون المواطن فيها أحوج ما يكون إليها.
حرارة خانقة
أم محمد، وهي سيدة خمسينية ترعى والدتها المسنّة التي تعاني من مرض الربو، تقول بأسى: ” في هذه الأجواء غير الطبيعية، من ارتفاع حرارة وانقطاع الماء والكهرباء، كيف نستطيع أن نمضي اليوم؟ أمي كبيرة في السن، وأحتاج لتشغيل المروحة أو جهاز التبريد لمساعدتها على التنفس، ولكن لا كهرباء، ولا قدرة لدينا على تركيب ألواح طاقة أو الاشتراك بمولدات الأمبيرات، هل يعني ذلك أن المواطن ذي الدخل المحدود أصبح مضطراً لتحمل ما هو فوق طاقته؟”.
أما أبو علي- وهو أب لثلاثة طلاب جامعيين، فيصف الوضع قائلاً: “أحزن على أولادي الجامعيين وهم يحضرون لامتحاناتهم في ظل هذه الأجواء الحارة، كيف يمكن للعقل أن يركز على الدراسة وسط انقطاع الكهرباء وحرارة خانقة؟”.
سيدرا، طالبة جامعية من سكان الضواحي، تروي تجربتها مع الامتحانات: “عند ذهابي للامتحان وعودتي، أقطع مسافةً طويلةً تحت أشعة الشمس، في أحد الأيام، أصبت بدوار وضربة شمس، ولم أتمكن من تقديم المادة الثانية، كنا نتمنى أن تُتخذ إجراءات لحمايتنا من التعرض المباشر لأشعة الشمس الحارقة، وتعديل مواعيد الامتحانات.
ومن جانبها، تؤكد أم يزن أن المعاناة لا تقتصر على الحرارة والكهرباء، بل تشمل نقص المياه وسوء النظافة: “المياه مقطوعة، والكهرباء غير موجودة، وفي ظل الجو الحار لا أحد من المسؤولين ينظر بعين العطف والمسؤولية تجاهنا، نحتاج لزيادة ساعات التغذية الكهربائية، لأن القبة الحرارية تقتلنا، حتى النظافة في الشوارع معدومة، وكأن الخدمات كلها غابت دفعةً واحدةً”.
هذه الشهادات الحية تكشف حجم الأزمة الإنسانية التي يعيشها المواطن العادي، إذ يضطر للتأقلم مع ظروف قاسية تهدد صحته وحياته اليومية، من دون أن يجد حلولاً ملموسة من قبل المعنيين.
خطر على الصحة
الدكتور تيسير الصالح، بيّن لـ”الثورة” أن القبة الحرارية تعني موجة حر طويلة الأمد، ترتفع فيها درجات الحرارة فوق المعدل بشكل مستمر، ما يشكل خطراً على الصحة العامة، مضيفاً: ” إن التعرض المفرط للحرارة المرتفعة وأشعة الشمس المباشرة قد يسبب ضربة الشمس، وهي حالة طبية طارئة تتمثل بارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم، وفقدان القدرة على التعرق، وقد تتطور إلى فقدان الوعي أو حتى الوفاة إذا لم يتم التدخل بسرعة.
كذلك، قد يؤدي الحر الشديد إلى الجفاف الحاد، هبوط الضغط، اضطرابات الكلى، وتفاقم أمراض القلب والرئة، عند كبار السن، والأطفال، ومرضى الربو وأمراض القلب، فهم الأكثر عرضة للخطر”.
ويقدم الدكتور الصالح جملةً من النصائح الوقائية لتقليل المخاطر: شرب كميات كافية من المياه والسوائل حتى دون الشعور بالعطش، وتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس في أوقات الذروة (من الساعة 11 صباحاً حتى 4 مساءً)، وارتداء الملابس القطنية الفضفاضة والفاتحة اللون، مع استخدام قبعات أو مظلات، والاستحمام بالماء الفاتر لتبريد الجسم، وتجنب الماء البارد جداً الذي قد يسبب صدمة حرارية، والتواجد في أماكن جيدة التهوية، أو استخدام وسائل تبريد بديلة مثل المراوح اليدوية أو التهوية الطبيعية، ومراقبة كبار السن والأطفال، والتأكد من حصولهم على ما يكفي من الماء والراحة.
إن القبة الحرارية ليست مجرد ظاهرة طبيعية عابرة، بل أزمة معيشية وصحية تتطلب تحركاً سريعاً من قبل الجهات المسؤولة، لجهة توفير الكهرباء والمياه بشكل مستقر، وتأمين حملات توعية حول مخاطر الحر الشديد وطرق الوقاية منه، ليست رفاهية، بل ضرورة لحماية حياة المواطنين.
فالمجتمع، خاصة الفئات الأكثر ضعفاً، لا يستطيع مجابهة هذه الظروف من دون دعم منظم وإجراءات فعّالة، وخطوات جادة تضع سلامته في المقام الأول، والأهم، إن مواجهة القبة الحرارية تبدأ بالاعتراف بحجم المعاناة، وتمر عبر خطط طوارئ واقعية، وتنتهي بواقع جديد يضمن للمواطن أبسط حقوقه: ماء بارد، هواء نقي، وراحة جسدية تحميه من شمس لا ترحم.