الثورة – حسين روماني:
بين المال والأعمال، وبين شركات البناء والمقاولات التي تزاحمت في معرض دمشق الدولي، تجد الأزياء التراثية السعودية مكانها في جناح المملكة.. هناك، لم يكن المعروض مجرد ثياب تقليدية، بل سردية ثقافية تسعى إلى تعريف الزوار بثراء المملكة وتنوّعها الاجتماعي، ففي الزاوية المخصصة للتراث، يرتدي الزوار ملابس تعبّر عن مناطق مختلفة من المملكة، من عسير وجبالها الملونة، إلى نجد وصحاريها الواسعة، وصولاً إلى الحجاز وموانئه المفتوحة على البحر.
رمزية اللباس
النجدي محمد الحوام، أحد المشاركين في الجناح السعودي، يوضح لـ”الثورة” أنّ اللباس النجدي يُستحضر في المناسبات الوطنية الكبرى مثل “اليوم الوطني”، و”يوم التأسيس، ويعود هذا الزي إلى زمن الملك عبد العزيز، إذ ارتبط بالمحاربين الذين أسسوا الدولة السعودية الحديثة. يتكوّن عادة من ثوب طويل أبيض أو بني، مع “المرودن” عباءة طويلة بأكمام واسعة، إضافة إلى “المشلح” والسيف الذي يُعلّق على الكتف في المناسبات الاحتفالية، اللباس النجدي ليس مجرد ثوب بل بناء الدولة، ولهذا ظل حاضراً في العروض الشعبية التي ترافق الأهازيج والرقصات التقليدية مثل “العرضة السعودية”.
تنوّع جغرافي يعكس الهوية
في الجناح السعودي، عُرضت نماذج من أزياء مختلف مناطق المملكة، وهو ما أضاء على التباين الكبير بين شمال البلاد وجنوبها ووسطها وغربها، فكل منطقة صاغت أزياءها وفق بيئتها الطبيعية والاجتماعية، لتصبح مرآة للإنسان ومحيطه.أزياء منطقة عسير تتميز بالنقوش الملونة والأنماط المستوحاة من فن “القط العسيري”، وهو فن نسائي تقليدي يعتمد على الأشكال الهندسية والزخارف الزاهية، ألوان هذه الأزياء تعكس طبيعة جبال عسير الخضراء وتنوّع الحياة فيها، وغالباً ما ترتدي النساء أثواباً مطرزة بخيوط متعددة الألوان، مع حُلي فضية تقليدية.أزياء الحجاز يغلب عليها اللون الأبيض رمزاً للنقاء والصفاء، وتتنوع بين الثوب الحجازي الفضفاض الذي يرتديه الرجال، و”المُدَرَّعة” النسائية المطرزة بخيوط ذهبية، لطالما كان اللباس الأبيض في الحجاز علامة على التقاليد المرتبطة بالمدن المقدسة مثل مكة والمدينة، إذ يتداخل الدين مع تفاصيل الحياة اليومية. أزياء نجد تعكس طبيعة المنطقة الصحراوية والبيئة البدوية، رجال نجد يرتدون الثوب والغترة والعقال، وتزيّن نساؤهم أنفسهن بملابس سوداء أو داكنة غالباً، مطرزة بخيوط ذهبية أو فضية. في المناسبات الكبرى، يظهر السيف كجزء أساسي من الهوية النجدية.
المرأة والألوان.. الرجل والوقار
في مقابل التنوّع الرجالي الذي يميل إلى البساطة والوقار، حملت الأزياء النسائية السعودية بعداً جمالياً وزخرفياً واضحاً، فقد عكست ألوانها جرأة وتمسّكاً بالتراث، فيما كانت الحُلي الفضية والذهبية جزءاً لا يتجزأ من هوية المرأة السعودية في مختلف المناطق. المرأة العسيرية مثلاً تزيّن ثوبها بالزخارف الزاهية، بينما ترتدي المرأة الحجازية ملابس أكثر هدوءاً لكنها مطرزة بخيوط دقيقة، أما المرأة النجدية، فملابسها تحمل طابعاً عملياً يتماشى مع طبيعة الحياة البدوية، لكنها لا تخلو من التطريز اليدوي.
لم يقتصر الحضور السعودي في المعرض على الأزياء فقط، بل امتد إلى جانب آخر من الثقافة يتمثّل في القهوة السعودية، محمد الحوام يشير إلى أن قهوة أهل نجد حاضرة دائماً: “هي قهوة ممزوجة بالهيل والزعفران والزنجبيل والقرنفل، وتُقدَّم مع التمر كعُرف ضيافة أصيل”. القهوة هنا لم تكن مشروباً فحسب، بل طقساً اجتماعياً يرافق الأزياء ويكتمل به المشهد التراثي.
تلاقي التراثين السوري والسعودي
الحضور السعودي في معرض دمشق الدولي أتاح للزوار السوريين فرصة للتعرّف على مكوّنات التراث السعودي، في وقت لم يتردّد كثيرون في الإشارة إلى التشابهات الثقافية بين الشعبين. فكما أن الريف السوري يمتلك ثيابه المطرزة وألوانه الزاهية، كذلك فعلت مناطق عسير، وكما أن لباس أهل البادية في سوريا ارتبط بالبيئة الصحراوية، فإن اللباس النجدي جاء من رحم الصحراء ذاتها.بين العباءات المطرزة والسيوف المعلّقة والقمصان البيضاء الواسعة، بدا الجناح السعودي في دمشق وكأنه معرض مصغّر لتاريخ المملكة، الأزياء هنا ليست مجرد تراث قديم يُعرض على الأرف، بل هوية حيّة تُستعاد في المناسبات الوطنية وتُقدّم للعالم كجزء من سردية السعودية الحديثة التي تحاول أن توازن بين الحاضر والماضي.