لا يعود معرض دمشق الدولي مجرد مساحة للعرض والتسويق، بل يتحول في كل دورة إلى مرآة تعكس أولويات الاقتصاد السوري، واتجاهات السوق، ومزاج الجمهور.
وفي النسخة الـ62 لهذا العام، بدا واضحاً أن جناحاً، أو بالأحرى أن الصناعات الغذائية والتكنولوجيا، قد استحوذا على بوصلة الاهتمام، سواء من حيث الإقبال الجماهيري أم من حيث حجم المشاركات المحلية والخارجية.
الغذائيات، بما تمثله من قطاع حيوي مرتبط مباشرة بمعيشة المواطن واحتياجاته اليومية، حضرت بقوة، الشركات ركزت على إبراز تنوع منتجاتها وجودتها، في رسالة مزدوجة: القدرة على المنافسة محلياً رغم الظروف، والسعي لفتح أسواق جديدة عبر المعرض كبوابة للتصدير.
اللافت كانت محاولات بعض الشركات إدخال تقنيات التعبئة والتغليف الحديثة، ما يشير إلى إدراك متزايد أن القيمة المضافة لا تقف عند المنتج فقط، بل تشمل مظهره وسهولة وصوله للمستهلك.
أما قطاع وجناح التكنولوجيا، فقد شكّل مفاجأة لنا وللزوار، إذ لم يقتصر على شركات الاتصالات والحلول الرقمية، بل امتد ليشمل الروبوتات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والبرمجيات التعليمية، وشاشات العرض المذهلة وأجهزة الدفع الإلكتروني.
الحضور الكثيف هنا ليس مجرد فضول، بل يعكس تعطشاً لدى الأفراد والمؤسسات للانخراط في الاقتصاد الرقمي، وللاطلاع على أدوات يمكن أن تعيد رسم ملامح الأعمال والخدمات.تغلب الغذائيات والتكنولوجيا على المعرض يحمل دلالتين أساسيتين، الأولى: أن الأمن الغذائي والتحول الرقمي هما العنوانان الأبرز للاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة، والثانية: أن المعرض، رغم طابعه الاحتفالي والتجاري، يواصل أداء دوره كمنصة قياس لاتجاهات السوق، ومؤشر إلى ما يهم المنتج والمستهلك في آن واحد.
الرهان الآن هو في تحويل هذا الزخم من مجرد عرض موسمي إلى استراتيجيات مستدامة.. فالغذاء يحتاج إلى دعم سلاسل القيمة والتصدير، والتكنولوجيا تحتاج إلى بيئة تشريعية واستثمارية حاضنة، وعندها فقط يصبح معرض دمشق الدولي أكثر من واجهة عرض، بل محفز فعلي للنهوض الاقتصادي.