منذ اندلاع الحرب في سوريا، تحول الاختفاء القسري إلى ممارسة ممنهجة، لا مجرد انتهاك عابر.. في ظل النظام البائد، لم يكن الغياب صدفة، بل سياسة متعمدة لإسكات الأصوات، وتفريغ المجتمع من أي مقاومة أو مطالبة بالحق.
كان الاعتقال يتم بلا مذكرة، بلا تهمة، وبلا أثر، يختطف الإنسان من منزله، من الشارع، من مكان عمله، ويسحب إلى مراكز احتجاز سرية، حيث يمحى اسمه من السجلات، ويُحرم أهله من السؤال عنه.
لم يكن الهدف فقط تغييب الجسد، بل كسر الروح، وتفتيت الأمل، وزرع الخوف في كل بيت. في سوريا، لا توجد عائلة إلا ولمستها يد الغياب.. الأمهات اللواتي ينتظرن منذ سنوات، الزوجات اللواتي يعشن بين الأمل واليأس، والأطفال الذين كبروا من دون أن يعرفوا ملامح آبائهم.
كل بيت يحمل قصة، وكل حي فيه من يسأل: “هل ما زال حياً؟.. فالاختفاء هنا أدمى القلوب، وخلق جرحاً لا يشفى.
وفي اليوم العالمي للاختفاء القسري، نُعيد التأكيد أن العدالة ضرورة إنسانية.. ولا يمكن لسوريا أن تشفى من دون مواجهة هذا الملف، ومن دون كشف مصير عشرات الآلاف من المختفين، لأن الإنسان لا يُمحى، والذاكرة لا تُقهر، والحق لا يموت، ويبقى الأمل أقوى من النسيان.. وكل صوت غيّب يستحق أن يُسمع، وكل غائب يستحق أن يعود، أو يُعرف مصيره.