الثورة – ثناء أبو ذقن:
مهلاً أيها السّجان، لحظة من فضلك.. هذا إن كان لديك فضل أصلاً..هل تخيلت نفسك يوماً تجلس مكان السجين؟ أو على الأصح مكان المعتقل؟ هل حاولت يوماً، أن تضع نفسك بدلاً عنه؟.
فالمسألة بينكما قريبة جداً.. لا تتعدى ركلة قدم بحذائك التي طالما ركلت بها أجساداً تلوّت وانتفضت ألماً، تلك الركلة الشهيرة وقد أدّت المطلوب منها ولم تخيّب ظنك يوماً.
هل فكرت للحظة واحدة أن تتلقى ركلة عنه؟، هل تخيلت أنك تعيش بأمان الله، وفي لحظة كئيبة تُعتقل بغتةً من دون أي مبرر أو سبب؟، هل تصورت نفسك تسير بسراديب المعتقلات مكفوف العينين مقيد اليدين لا دليل سوى وقع أقدام السّجان؟، هل دوت صرخاتك في أركان المعمورة، حتى خيل إليك أن العالم كله انمحى من الوجود، ولم يبقَ إلا أنت وجلادك؟، هل تخيلت وأنت تكرع كؤوس النشوة، أن التي تقبع في الزاوية تنزف ذلاً وقهراً، أختك، زوجتك، أمك، ابنتك؟، هل استمتعت بتوسلاتها وهي ترجوك أن تتركها ولا تقربها؟، هل قبلاتها لحذائك المتسخ ما زادتك إلا تعنتاً وإصراراً؟، وأن الله الذي تناشدك به تحديتها أنت به بكل تعجرف وترفع ليأتي وينقذها منك، هل مازلت تسمع وقع الصفعة على وجهها؟، هل تكومت هناك في مكان ما، كتلة عظم معجونة بالعظم والدم هناك فوق القاذورات، وعلى امتداد بقع الدم المتسعة شبه رجل من دون حراك، بعد حفلة تشبيح، أو جلسة أنس بمرافقة التنكيل بأعضائك المختلفة وأنت تسمع صراخ فتاة أو سيدة تستنجد.. ليتخافت الأنين تدريجياً ويسود الصمت الرهيب الذليل، ولم يكن لديك القدرة على طأطأة الرأس؟، هل انتشيت وأنت تتجرع كؤوس الرجولة والقوة بعد لياليك السوداء، هل خطر على بالك للحظة أن تلك السيدة يمكن أن تكون إحدى سيدات أو فتيات عائلتك؟، أما شعرت يوماً أن الموت بسجونكم رفاهية حلم.. صعب المنال إذا أردتم ذلك.. ألم يرف لك جفن وأنت تضرب الكتلة البشرية بمضرب الحديد المسنن وتفصل جلده عن عظمه لتأتيه ضربة الرحمة من يد لم تعرف يوماً الرحمة؟، ألم تلاحقك نظراتهم الأخيرة، أم إن جفونها لم تقوَ على الانفراج ولو قليلاً لترى قاتلها؟..أما رافقتك الكوابيس، أم إن اعتقادك بامتلاك مصير هؤلاء .. وجبروتك في التسلط أعمت بصيرتك؟.
أما استوقفك أنين المتألمين، أما أشفقت على جراحهم المتعفنة يخرج منها الدود، أم إن السائل الذي يجري بعروقك خلاصة المجاري ومفرزات البهائم؟.
ففي كل زاوية وعلى كل بقعة أرض وفي كل لحظة مرت بتلك السجون كيان إنساني انتهكت حرمته، وجسد بُلي من التعذيب، وروح زُهقت ولا ذنب لها إلا أنها كانت تحت حكم معتقلات الأسد البائد.. أيها السجان رويدك لم أنتهِ فهناك الكثير الكثير من هل… وهل، وها أنت الآن تقبع مكان الضحية.. فهنيئاً لكم بما كسبت أيديكم.. “فذوقوا عذابي ونُذُر”.. سورة القمر.