“الاستمطار الصناعي” مشروع الضرورة في سوريا.. أول تجربة سنة 1991 حصدت 3.2 مليارات متر مكعب من المياه

الثورة – معد عيسى:

قبل عام من الآن كانت تُقابل التحذيرات من أزمة مياه بالسخرية والاستهزاء، أما اليوم فقد أصبحت الأزمة واقعاً أكبر مما كان يتوقعها البعض.. وذلك لعدة أسباب، أولها احتباس الأمطار وانخفاض معدلات هطولها إلى أقل من 35 بالمئة، وثانياً لأن شبكة المياه مُدمرة وشبه منهارة، وثالثاً لعدم توفر الأموال الاعتمادات لمواجهة الأزمة.

أزمة المياه في سوريا لا تقتصر على مياه الشرب فقط، وإنما أزمة لكل القطاعات، ولاسيما الزراعي وستكون المياه من أكبر تحديات الاستثمار، ولاسيما العقاري والسياحي.

جفاف الينابيع والمسطحات المائية

حجم الأزمة أكبر بكثير مما يعتقد البعض، فالأزمة أخرجت سيناريوهات جر المياه من الساحل الى الداخل بعد جفاف عدد كبير من الينابيع وتدني غزارة ما تبقى لأقل من الربع، والمسطحات المائية (السدود والبحيرات) وصل تخزينها إلى الاحتياطي الميت (سد الأبرش في طرطوس انخفض التخزين من 105 ملايين متر مكعب إلى 16مليون متر مكعب)، والأمر ينسحب على كل المسطحات المائية التي اختفى بعضها بسبب تدني الهطولات وزيادة التبخر مع ارتفاع درجات الحرارة، والوضع في دجلة ليس بأفضل حالاً، وربما شاهد الجميع سرير النهر شبه الجاف، وليس الوضع أفضل لبقية المصادر المائية مثل نهر العاصي الذي امتلأ مجراه بالأسماك النافقة بعد جفاف المجرى.

مياه الساحل خرجت من حسابات جر المياه للداخل، ولم يبقَ منها سوى خيار تحلية مياه البحر، والمصادر الأخرى تراجعت غزارتها واختفى بعضها فما الحل؟.

ضمن هذا الوضع من العجز المائي يبرز موضوع استمطار السحب، أو ما يُعرف بالاستمطار الصناعي، كخيار أول لزيادة الهطولات المطرية وتقليل العجز المائي وتلبية حاجة القطاعات، ولاسيما الزراعي ومياه الشرب، إذ يمكن زيادة الهطولات المطرية ما بين 10 و40 بالمئة من المعدلات السنوية حسب التجارب السابقة، وتجارب دول أخرى وهذه النسبة تحددها طبيعة الغيوم وتراكماتها وتوقيت استمطار الغيوم.

أول تجربة

مشروع الاستمطار في سوريا ليس بجديد ويعود لبداية تسعينيات القرن الماضي، إذ شكلت في عام 1990 لجنة فنية من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، والقوى الجوية، والأرصاد الجوية، والاستشعار عن بعد، وأجرت اللجنة اتصالات مع مختلف الهيئات العلمية والمؤسسات والشركات العالمية ذات الخبرة في الاستمطار من أجل إجراء تجربة في موسم 1990- 1991، وكذلك من أجل جمع ومفاضلة أكبر قدر ممكن من المعطيات للحصول على عروض لتأسيس وتشغيل مشروع استمطار السحب في سوريا اعتماداً على القدرات الذاتية والاستعانة بالخبرة الأجنبية اللازمة وتأمين مستلزمات هذا المشروع من تقنيات وكوادر مؤهلة ومدربة.

أضافت 3.2 مليارات متر مكعب

وأوضحت رئيس دائرة الاستمطار في وزارة الزراعة المهندسة عبير زكريا أن أول تجربة استمطار في سوريا تمت خلال الفترة من 13 آذار وحتى 25 نيسان 1991 بموجب عقد خاص تضمن استئجار أربع طائرات روسية تحتوي على أجهزة مراقبة الغيوم، واستخدمت محطتي استقبال صور الأقمار الصناعية ومحطتي رادار طقس، ونفذت أعمال الاستمطار خلال أربعة أشهر (كانون أول، كانون ثاني، شباط، آذار)، وتم تنفيذ /360/ ساعة طيران من خلال /93/ طلعة طائرة، وكانت نتيجة تقييم أعمال الاستمطار ولكامل فترة الاستمطار بلغت كميات الهطول الإضافية الناجمة عن أعمال الاستمطار 3,2 مليارات م3، وبالتالي بلغت نسبة الزيادة 10,4 بالمئة من الهطولات الطبيعية المتوقعة.

على ضوء التجربة ونجاحها تم توقيع عقد بين وزارة الزراعة والمرصد الجوي الروسي لإقامة مشروع سوري متكامل لزيادة الهاطل المطري اصطناعياً.

وأشارت زكريا إلى أن المشروع تضمن تقديم وتركيب وصيانة التجهيزات ومواد الزرع اللازمة لزرع الغيوم في الأجواء السورية، وتدريب الكوادر السورية المختصة لتصبح قادرة على قيادة وتنفيذ جميع الأعمال مستقبلاً، وقيادة أعمال المشروع لخمسة فصول مطرية، بدءاً من موسم 1992- 1993، إذ يلتزم الجانب الروسي بتوريد وتركيب وتجهيز وصيانة جميع التجهيزات الجوية اللازمة لتنفيذ أعمال زيادة الهاطل المطري وفقاً للتقنيات الحديثة المصممة من قبله.

وقد استمر العمل بمشروع الاستمطار لغاية عام 2012 بالعمل بالشكل الأمثل مع إعطاء نتائج جيدة بزيادة الهطولات المطرية، إذ تم التوقف عن الطيران بأمر من قيادة القوى الجوية والدفاع الجوي.

زرع الغيوم

الاستمطار يتم بزرع الغيوم الركامية “بنويات” تجمد صناعية تُنثر في الغيوم لأن “نويات” التجمد الطبيعية في الغيوم غير كافية من أجل تجميد أكبر كمية من المياه غير المبردة الموجودة في الغيوم وتحويلها إلى بلورات ثلجية ثقيلة تنهمر بفعل التثاقل لتعود للحالة السائلة أثناء مرورها بدرجات حرارة أقل وتسقط أمطاراً، أما المواد الممكن استخدامها للزرع في الغيوم فهي غالباً “يوديد الفضة، وثاني أكسيد الكربون المجمد، والأملاح الرطبة، وكلوريد الصوديوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم” ويتم زرعها في الغيوم عن طريق الطائرات، أو الصواريخ، ومضادات الطائرات، أو بأجهزة ومولدات أرضية.

أما عن الجدوى فقد تصل إلى٤٥ بالمئة -حسب تصريحات سابقة لمدير المشروع الدكتور علي عباس عام 2011- رغم أن بعض القائمين الحاليين يشككون في الرقم بناءً على متابعات للنتائج في دول أخرى، ولكن بكل الأحوال النتائج كبيرة ومنقذة ولا سيما لحالة بلد كسوريا يعاني من نقص حاد في المياه.

بحاجة لمشروع جديد

بالعودة للمشروع القديم، وفيما إذا كان بالإمكان الانطلاق منه، قالت زكريا: تعرضت محطات رادار مشروع الاستمطار الأربعة الى تدمير خلال سنوات الحرب، وهي متواجدة في (دمشق- حلب- طرطوس- دير الزور)، كما تعرضت الطائرات الأربعة المستخدمة في عمليات الزرع الى تدمير خلال سنوات الحرب.

وتابعت: عام 2022 تم عقد عدة اجتماعات بمشاركة كل الجهات المعنية، وتم وضع خطة لإعادة إحياء المشروع على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ولكن بسبب العقوبات ولانقطاع العلاقات مع أغلب الدول الأجنبية وللتكلفة الكبيرة لإعادة الإحياء وتحديث محطات الرادار والطائرات لم نتمكن من تحديث المنظومة أو شراء منظومة جديدة، حالياً يتم انتظار الهيكلية الجديدة لإعادة أحياء مشروع الاستمطار نظراً لأهميته الكبيرة، وخاصة في ظل التغيرات المناخية الحالية.

الاستمطار الصناعي انتشر في أكثر من 40 بلداً، وفي المقدمة الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والسعودية، والإمارات، والمغرب، وعُمان، وما نراه من فيضانات وهطول غزير للأمطار في دول الخليج ناتج عن الاستمطار الصناعي الذي أنقذ الكثير من القطاعات، أما في سوريا فالأمر أصبح أكثر ضرورة، ولحسن الحظ أصبحت التكاليف أقل بكثير في ظل التقدم التقني، ولاسيما استبدال الطائرات المُكلفة بطائرات مُسيرة، ومجموعة محطات الرصد بمحطة واحدة وبتجهيزات مُختصرة وأكثر دقة في المعطيات.

الاستمطار الصناعي أصبح مشروع الضرورة في سوريا حتى لو كانت التكاليف عالية، فمن دون المياه لا زراعة، ولا استثمار، ولا سياحة، ولا حياة، وهناك بعض الدول تلجأ للاستمطار حتى في السنوات الوفير مطرياً لتعزيز المخزون المائي وسد العجز مُستغلة مناسبة الظروف لعملية الاستمطار وزرع الغيوم.

آخر الأخبار
منصة لتبادل الخبرات.. مشاركة غنية للركن الشرقي في المعرض معرفة مصير المفقودين والمغيبين.. حاجة وطنية لتثبيت دعائم السلم الأهلي معرفة مصير المفقودين والمغيبين.. حاجة وطنية لتثبيت دعائم السلم الأهلي صناعة الحرير الطبيعي عراقة الحضور في فعاليات المعرض بين التسوق والاستكشاف والترفيه.. زوار المعرض يتوافدون بكثافة منصة "نبراتي" تدخل السوق السورية بخدمات تقنية رائدة رحلة جديدة وممتعة للمعرض القطار يسهل وصول الزوار بأجواءٍ من الراحة والحماسة افتتاح ضاحية الأمل في ريف إدلب لإيواء متضرري زلزال 2023 جناح مؤسسة مياه الشرب في دمشق.. حملة توعية للأطفال.. ومشروعات استراتيجية للبنية التحتية المائية معرض دمشق الدولي.. بين بهجة التنظيم ومعاناة الازدحام "الاستمطار الصناعي" مشروع الضرورة في سوريا.. أول تجربة سنة 1991 حصدت 3.2 مليارات متر مكعب من المياه الأرقام القياسية لزوار المعرض لا تعكس انتعاشاً اقتصادياً حقيقياً عودة باب الهوى..إنجازات "المنافذ البرية والبحرية" تضيء معرض دمشق الدولي وزير المالية لـ"الثورة": تسويات عادلة لملفات الضرائب وعودة الرواتب المتوقفة نهاية أيلول (66) مليار ليرة لاستثمارات رياضية في مختلف المحافظات "النساج السورية" بين التراث والحداثة في معرض دمشق الدولي أحياء في الذاكرة.. حين يصبح الغياب هوية أول وكالة لمعمل تجميعي للسيارات الكهربائية في معرض دمشق الدولي من الواقع إلى الرقمية..كيف جعل معرض دمشق الدولي التكنولوجيا رفيق الزائر؟ شروط جديدة لشركات الوساطة المالية