الثورة – سمر حمامة:
عاد معرض دمشق الدولي هذا العام بدورته الثانية والستين بحلة متجددة، عكست الإصرار على الاستمرار كأحد أبرز الملتقيات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في المنطقة.
فمنذ انطلاقته الأولى قبل أكثر من ستة عقود، كان هذا المعرض منصةً للتواصل والتبادل بين الشعوب، ونافذة للاطلاع على أحدث ما تقدمه الدول والشركات من صناعات وخدمات ومنتجات.
وقد لاقى المعرض في نسخته الأخيرة إقبالاً واسعاً من الزوار الذين توافدوا من مختلف المحافظات السورية ومن الخارج، ليشهدوا فعالياته المتنوعة وما يتضمنه من أجنحة وأنشطة.
ومع النجاح الكبير الذي حققه على مستوى التنظيم والمضمون، لم يخلُ الحدث من بعض المنغصات التي أشار إليها الزوار، وفي مقدمتها الازدحام المروري الشديد، وصعوبات المواصلات، وارتفاع أجور سيارات الأجرة.
وهكذا، تراوحت انطباعات الحضور بين الإعجاب بثراء المعرض وفعالياته من جهة، والانزعاج من صعوبات الوصول والمغادرة من جهة أخرى.
حمل المعرض في طياته أجواءً احتفالية بهيجة، إذ ضم أجنحة واسعة لمؤسسات اقتصادية وتجارية وصناعية، إضافة إلى عروض فنية وثقافية جذبت الحضور من مختلف الأعمار، تنوعت الفعاليات بين حفلات موسيقية وعروض فلكلورية ومعارض للحرف التقليدية، فضلاً عن جلسات ثقافية وأمسيات شعرية، الأمر الذي جعل من الزيارة تجربة متكاملة تجمع بين المعرفة والترفيه.
وأشاد الزوار بحسن التنظيم داخل الأروقة، حيث جرى ترتيب الأجنحة بشكل واضح، مع ممرات منظمة ولوحات إرشادية ساعدت في توجيههم، كما أبدى الكثيرون إعجابهم بالأنشطة المرافقة، التي أضفت على المكان لمسة خاصة جعلت التجوال ممتعاً ومتنوعاً.
على الرغم من هذه الأجواء المشرقة، لم تغب بعض الصعوبات عن أحاديث الزوار..
منى العسلي، التي قصدت المعرض مع زوجها بسيارتها الخاصة، تحدثت قائلة: “استغرق الأمر نحو ساعة كاملة للوصول إلى بوابة المعرض بسبب الازدحام المروري، ثم قضينا وقتاً طويلاً في البحث عن مكان مناسب لركن السيارة، ومع ذلك، فإن جمال المعرض وحسن التنظيم أنسياني هذه المشقة، فاستمتعنا بالتجول بين الأجنحة وقضينا وقتاً جميلاً.
“أحمد الخالد، عبّر عن تجربته بالقول: “كان الزحام سيد الموقف منذ وصولنا، وقد خشيت أن يضيع بعض أفراد عائلتي وسط الحشود، لاحظنا وجود ألعاب مجانية وأخرى رمزية للأطفال، لكن أطفالي لم يتمكنوا من اللعب بسبب كثرة الزوار، وعند عودتنا لم نجد الباصات التي تقلنا إلى مراكز الانطلاق، ربما بسبب تأخرنا، واضطررنا إلى ركوب تكسي بأسعار مرتفعة للغاية، وشعرت بالاستغلال والإحباط، لكنني لم أجد خياراً آخر، فالمكان بعيد ومعي أطفال صغار، ورغم ذلك، فإنني أؤكد أن المعرض من الداخل كان رائعاً ومنظماً”.
ومن جهتها، شاركت الطالبة الجامعية ميرفت علي، تجربتها مع زميلاتها بالقول: “انطلقنا من البرامكة بالباصات المخصصة، وكانت مريحة ومكيفة، لكننا عانينا من الازدحام طوال الطريق.
من الجسر قبل مدينة المعارض وحتى البوابة استغرقنا نصف ساعة إضافية، حاولنا العودة باكراً حتى لا نقع في زحمة العودة، على الرغم من رغبتنا في البقاء فترة أطول، فالمعرض كان ممتعاً وغنياً بالأنشطة.”
بين الإعجاب والانزعاج
تكشف هذه الشهادات عن صورتين متقابلتين: الأولى إيجابية تمثلت في رضا الحضور عن مضمون المعرض وتنوع فعالياته، والثانية سلبية ارتبطت بالازدحام وصعوبات المواصلات.
فالمعرض نجح بلا شك في جذب الحشود وتقديم محتوى غني، لكنه في المقابل أرهق بعض الزوار الذين واجهوا صعوبات في التنقل من وإلى المكان.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الغالبية العظمى من الحضور أكدت أنّ التجربة كانت تستحق العناء، وأن التنظيم داخل الأجنحة والتنوع في الفعاليات عوضاً عن المشقات التي واجهوها في الطريق.
لقد شكلت الأجواء الاحتفالية، واللقاءات الاجتماعية، والأنشطة الثقافية والفنية، فرصة نادرة للفرح والاطلاع والتفاعل، ما جعل المعرض حدثاً استثنائياً في حياة الكثيرين.
لقد برهن معرض دمشق الدولي في دورته الثانية والستين أنّه لا يزال حدثاً ينتظره السوريون بشغف، ليس فقط باعتباره تظاهرة اقتصادية وتجارية، بل بصفته ملتقى ثقافياً واجتماعياً يتيح للعائلات والشباب فرصة للتلاقي والاستمتاع والتعرف إلى الجديد.
ورغم بعض الملاحظات التي رافقت التجربة هذا العام، فقد شكّل المعرض مساحةً جامعة للفرح والأمل وسط الظروف الصعبة، ومناسبةً عززت مكانته كأحد أبرز الفعاليات في المنطقة.
ومع اقتراب انتهاء أيامه المليئة بالحركة والحيوية، بقي في ذاكرة الزوار انطباع واضح أن المعرض تجربة تستحق التكرار مهما كانت التحديات، فهو رمز للحياة التي لا تتوقف، وللإصرار على المضي قدماً نحو المستقبل، كما أنه نافذة سنوية تُطل من خلالها دمشق على العالم، قادرة على احتضان الفعاليات الكبرى، وجذب الأنظار إليها عاماً بعد عام.