الثورة – جاك وهبه:
يُعدّ معرض دمشق الدولي حدثاً اقتصادياً سنوياً بارزاً، يشكّل نافذة مهمة للشركات الوطنية والأجنبية على حد سواء للتعرف على فرص الاستثمار في سوريا وفتح آفاق جديدة للتعاون التجاري، ويشارك فيه عدد كبير من الشركات المحلية التي تعكس قوة السوق السورية وارتباطها بالاقتصاد الوطني، إلى جانب شركات أجنبية تسعى لاستكشاف الفرص الاستثمارية وفتح أسواق جديدة.
وقد شهد المعرض هذا العام حضوراً ملحوظاً للشركات السعودية والتركية، ما يعكس اهتمام هذه الدول بالعمل ضمن السوق السورية ويؤكد العلاقات السياسية الجيدة بين سوريا وهذه الدول، كما استحوذت قطاعات الصناعة والغذاء والبناء والطاقة على مساحة كبيرة من المشاركة، بما يتوافق مع أولويات إعادة الإعمار وتحقيق الأمن الغذائي وتطوير القاعدة الإنتاجية.
نافذة استثمارية
وفي هذا السياق، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور يحيى السيد عمر أن معرض دمشق الدولي يُشكّل حدثاً اقتصادياً هامّاً، لكونه يشكل نافذة استثمارية يمكن من خلالها تشجيع الاستثمار في سوريا، وتهيئة الظروف للمنتجين السوريين لإيجاد شركاء وأسواق خارجية.
وأشار السيد عمر في تصريح خاص لصحيفة الثورة، إلى أن المعرض شهد مشاركة واسعة من شركات وطنية وأجنبية، وبين أن الشركات السعودية والتركية شكَّلت نسبة كبيرة من الشركات الأجنبية، وبلغ عدد الشركات السعودية 80 شركة، والتركية 32، ما يُعد امتداداً للعلاقات السياسية الجيدة بين سوريا من جهة وتركيا والسعودية من جهة أخرى، كما يعكس اهتمام هذه الشركات بالعمل في السوق السورية.
وأوضح أن النسبة الأكبر من المشاركة كانت للشركات الوطنية، وهو أمر متوقع؛ لكون هذه الشركات هي الأكثر ارتباطاً بالسوق السورية.
خطوات استكشافية
وبين أن المشاركة الأجنبية في المعرض تعكس اهتماماً متزايداً بمتابعة فرص العمل في سوريا، لكنها تبدو أقرب إلى خطوات استكشافية تهدف لفهم البيئة الاستثمارية أكثر من كونها مؤشراً على استعادة الثقة الكاملة، ما يعني أن المشاركة الأجنبية لا ترقى لأن تكون بداية فِعْلية للاستثمار الأجنبي، لكنها تُعتبر مؤشراً أولياً إيجابياً.
وأشار إلى أن القطاعات التي هيمنت على فعاليات المعرض كانت الصناعة والغذاء والبناء والطاقة، وبين أن زيادة عدد شركات قطاعَي البناء والطاقة تعكس ارتباط النشاط الاقتصادي بمرحلة إعادة الإعمار، إذ إن البنية التحتية المتهالكة والحاجة الملحة للكهرباء والوقود تجعل هذه القطاعات في صدارة الاهتمام، وفي الوقت نفسه، يُشير الحضور القوي للصناعة إلى محاولة إعادة بناء القاعدة الإنتاجية وتعويض فجوة الاستيراد.
وأوضح أن التركيز على الغذاء يُعدّ أولوية مرتبطة بتحقيق الأمن الغذائي وضمان الاستقرار الاجتماعي في ظل تقلبات الأسواق العالمية وتراجع الإنتاج الزراعي المحلي.
الانتعاش الشكلي والحقيقي
وبين الخبير في الشؤون الاقتصادية فيما يخصّ الأرقام القياسية في حجم الزوار والتعاقدات الاستثمارية، أن هذه الأرقام على أهميتها لا تكفي وحدها لإثبات وجود انتعاش اقتصادي حقيقي، لأن التمييز بين الانتعاش الشكلي والحقيقي يتطلب النظر في مدى قدرة هذه الاتفاقيات على التحوُّل إلى مشاريع قائمة على الأرض، وهذا يرتبط بتوفير مستلزمات العمل والإنتاج من بيئة تشريعية وحوافز ضريبية وبنية تحتية داعمة.
وأشار الدكتور السيد عمر إلى أن المشاركة الأجنبية ما زالت في طور اختبار بيئة الاستثمار في سوريا أكثر من كونها عودة فِعْلية لرؤوس الأموال، وبين أن الهيمنة القطاعية تعكس مزيجاً من الحاجات الملحة والأولويات الاستراتيجية، وبذلك يبدو أن ما نشهده في هذه المرحلة أقرب إلى مؤشرات أولية على إمكانية الانتعاش، لا إلى انتعاش راسخ يترجم نفسه في أرقام الإنتاج والاستثمار المستدام.