دمشق – علي إسماعيل:
صدرت التعليمات التنفيذية للمرسوم الرئاسي رقم 143 لعام 2025، بموجب قرار اللجنة العليا للانتخابات رقم 28، لتشكل الحدث السياسي القانوني الأبرز ليجعل من الانتخابات التشريعية المقبلة عملية تنظيمية دقيقة فالمرسوم يضع الإطار القانوني الشامل للاستحقاق الانتخابي بينما التعليمات التنفيذية تترجم المرسوم 143 إلى إجراءات عملية واضحة لتوزيع الدوائر، وآليات تشكيل اللجان، والهيئات الناخبة، وصولاً إلى إدارة الاقتراع والفرز وإعلان النتائج.
المناطق الإدارية كوحدات انتخابية أساسية من أبرز ملامح المرسوم مع أنه أعاد التأكيد على إمكانية دمج أكثر من منطقة ضمن دائرة واحدة إذا اقتضت الحاجة وهذه النقطة جوهرية لجهة تحقيق غاية مهمة وهي التوازن الديمغرافي والإجرائي، بما يضمن عدالة التمثيل في المجلس، أما بالنسبة لعدد المقاعد في كل دائرة، فيُحدد وفق بيانات وزارة الإدارة المحلية لعام 2011، مع إمكانية تعديله استثنائياً لمواكبة المتغيرات أثناء الانتخابات.
الآليات المتبعة هذه لتمكين الدولة من الحفاظ على مواكبة إحصائية، وفي نفس الوقت الاستجابة السريعة والمنطقية للحاجات العملية، وهو ما يؤسس لمجلس شعب يعكس الواقع السوري الراهن بشكل واضح.
وهنا تأتي التعليمات التنفيذية التي ركزت على أمر مهم هو تشكيل اللجان، سواء الفرعية أَم العليا. فعدد أعضاء كل لجنة يجب ألا يقل عن ثلاثة، وأن يكون فردياً لتفادي التعادل في القرارات.
أما القوائم الأولية تُعلن بقرار موحّد وتُتاح أمام المواطنين فرصة الطعن عليها خلال يومين، لتُبتّ لاحقاً في غضون ثلاثة أيام بقرارات نهائية وبعد ذلك يقوم أعضاء اللجان بأداء اليمين القانونية أمام اللجنة العليا، الأمر الذي يرسخ قيم المسؤولية والالتزام.
أيضاً مقرات اللجان لحظت في التعليمات التنفيذية لتكون إما في مراكز الإدارة المحلية أو في أماكن تحددها اللجنة العليا إذا شملت الدائرة أكثر من منطقة بما يعزز استقلالية عمل اللجان.
الهيئات الناخبة نقطة تحول
من نقاط التحول النوعية في المرسوم 143 هي تشكيل الهيئات الناخبة، والتي تخضع لآلية مضاعفة أعداد المرشحين المحتملين بحيث يجب أن تكون على الأقل 50 ضعفاً من المقاعد المتاحة (أو 30 ضعفاً عند التعذر) بما يتيح مساراً أوسع يراعي مرونة الاختيار وشمولية التنوع.
فالتركيبة ملحوظة بدقة 70% من الأعضاء من الكفاءات، و30% من الأعيان المحليين. أما تمثيل النساء فلا يقل عن 20%، مع تخصيص 3% لذوي الإعاقة ومصابي الثورة، والأبرز والأهم هو أن المرسوم يجرّم أي اختيار قائم على أساس ديني أو طائفي أو إثني. بما يعكس توجه الدولة نحو ترسيخ التعددية والعدالة الاجتماعية قولاً وممارسة في تفاصيل إجراءات العملية الانتخابية.
الترشح لعضوية مجلس الشعب
بهدف ضبط العملية ومنع التدخلات العشوائية فإن الترشح لعضوية مجلس الشعب يقتصر على أعضاء الهيئة الناخبة، ضمن فترة محددة بخمسة أيام من إعلان القوائم النهائية، لتُعلن الأسماء هجائياً تفادياً ومنعاً لأي تحيز.
فيما تتاح الحملات الانتخابية لسبعة أيام فقط، لكنها تخضع لضوابط تمنع الخطاب الطائفي أو المسيء، وتفرض احترام المعايير الوطنية، وأيضاً تجهيز مراكز الاقتراع بشفافية من حيث صناديق زجاجية وأماكن سرية للتصويت بهدف تعزيز الثقة لدى الناخبين والمراقبين.
عملية الاقتراع تتم في يوم واحد، من التاسعة صباحاً لمدة ثلاث ساعات قابلة للتمديد وبذلك تكون النصوص الصريحة بعلنية الفرز، فور إغلاق الصناديق، أبرز النقاط الجوهرية في تعزيز المصداقية.
وفي حال تعادل الأصوات، تُعاد الانتخابات بين المرشحين المتساوين في اليوم التالي مباشرة، لتجنب أي فراغ أو إرباك. أما الطعون، فتُقبل خلال ثلاثة أيام ويُبت فيها خلال خمسة، منعاً للمماطلة وبعد استكمال جميع الإجراءات، ترفع اللجنة العليا أسماء الفائزين إلى رئيس الجمهورية ليصدر مرسوم التسمية. وخلال أسبوع فقط من صدور المرسوم، يعقد المجلس جلسته الأولى برئاسة الأكبر سناً.
في هذه الجلسة، يُنتخب رئيس المجلس ونائباه وأمين السر بالاقتراع السري وبالأغلبية. أما في الجلسة الثانية، فيؤدي الأعضاء القسم الدستوري أمام الرئيس، إيذاناً بانطلاق ولاية جديدة لمجلس الشعب.
هذه الإجراءات العملية والتعليمات التنفيذية بوضوحها ومباشرتها لا تجعل مكاناً للتفسير أو للتأويل الخاطئ، فالمرسوم 143 وتعليماته التنفيذية يحمل في طياته توجهاً سياسياً وعملياً يتعدى الاستحقاق الانتخابي فهو مؤشر واضح على مسار الدولة لبناء مؤسسات منتخبة تقوم على الشفافية وذات تمثيلية واسعة تستند على مبدأ ضرورة إشراك شرائح وفئات واسعة من المجتمع، بما فيها النساء وذوو الإعاقة والمصابون، ناهيك عن أن آليات الطعن والفرز العلني، إلى جانب تحديد نسب دقيقة لتركيبة الهيئات الناخبة، توضح المحاولات الجادة والعملية لموازاة
المعايير الدولية للانتخابات، هذه التعليمات الإجرائية، وإن كانت الآن قيد الاختبار العملي إلا أنها تعمل على إيجاد بيئة عمل إيجابية نحو تنظيم الحياة السياسية ضمن أطر أكثر دقة وتنظيماً وتطوراً على المستوى الدولي.
الجميع مدعو لإنجاح الانتخابات التشريعية 2025 والمشاركة في مراقبتها وتسجيل الملاحظات والثغرات لتفاديها لاحقاً والمشاركة فيها واجب وطني لنقول للعالم إن سورية الدولة والشعب قادرة على تجاوز التحديات الوطنية مهما كانت صعبة.