الثورة – إيمان زرزور:
أبرزت مبادرة صندوق التنمية السوري أنّ الشعب السوري، رغم الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب في سوريا، مصرّ على المضي في إعادة الإعمار بجهوده الذاتية، بعيداً عن الارتهان للمانحين الدوليين وشروطهم السياسية، هذه الرغبة تعكس بعداً سيادياً مهماً، فالإعمار الداخلي يمنح الدولة حرية القرار في تحديد أولوياتها، ويخفف من الارتهان للمصالح الإقليمية والدولية التي لطالما كبّلت خيارات سوريا لعقود.
تبرعات رجال الأعمال السوريين في الخارج مثّلت رسالة مزدوجة، فهي أولاً دليل ارتباط هؤلاء ببلدهم ورغبتهم في توظيف أموالهم فيه، وثانياً إشارة إلى إمكانية جذب رأس المال السوري المهاجر في حال أُتيحت بيئة قانونية واستثمارية مستقرة.
أما مساهمات رجال الأعمال في الداخل، فقد أبرزت الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في تحريك عجلة التنمية، فيما عكست التبرعات الفردية، ولو رمزية، بُعداً اجتماعياً يؤكد أن عملية الإعمار هي مشروع وطني جامع.
أحد أبرز أبعاد هذه المبادرة تمثل في إعادة جزء من الأموال المنهوبة من عائلة الأسد إلى الخزينة العامة بقيمة عشرين مليون دولار، وهي خطوة رمزية تحمل أبعاداً سياسية عميقة، فنجاح الدولة السورية في استرجاع الممتلكات المصادرة من آل الأسد وزبانيتهم يشكّل اختباراً جدياً لقدرتها على ترسيخ العدالة الانتقالية ومحاسبة منظومة الفساد.
كما أنّ العمل الجاري مع الحكومة اللبنانية لاستعادة الأموال السورية المحتجزة في مصارفها، يفتح الباب أمام نقاش اقتصادي حساس حول كيفية توظيف هذه الأموال لصالح التنمية بدلاً من أن تبقى رهينة الصراعات السياسية أو المصالح المالية الخارجية.
كما أن حضور شخصيات وثّقت تاريخ الثورة السورية في حفل التبرعات لم يكن تفصيلاً عابراً، بل عكس بعداً سياسياً يستند إلى سردية الثورة كعامل محفّز للدعم، هذه الاستعانة بالرمزية الثورية تحمل دلالتين: الأولى إعادة التذكير بجذور التغيير وشرعيته الشعبية، والثانية إقناع المانحين غير السوريين بأنّ الإعمار مرتبط أيضاً بمسار تحرري يهدف إلى إنهاء إرث نظام الأسد البائد.
رغم هذه الخطوات الإيجابية، يظل التحدي الأكبر في استكمال استعادة الأموال المنهوبة وتوظيفها في مشاريع تخدم المواطن السوري مباشرة، في بلد يفتقر إلى أبسط مقومات الخدمات العامة، وهنا يظهر البعد الاقتصادي متشابكاً مع السياسي: فنجاح الحكومة السورية الانتقالية في إدارة هذه الموارد بشفافية سيعزز الثقة الداخلية والخارجية، بينما أي تعثر أو انحراف قد يكرس ثقافة الفساد القديمة.
وتطرح تجربة صندوق التنمية السوري معركة موازية لمعركة الإعمار: معركة استعادة الأموال والسيادة معاً، فالاقتصاد السوري لا يمكن أن يتعافى دون معالجة إرث الفساد المالي والسياسي لنظام الأسد البائد، ولا يمكن للعملية التنموية أن تكتسب مشروعيتها إلا بربطها بالعدالة والشفافية، ومن هنا، فإنّ إعادة الأموال المنهوبة ليست مجرد خطوة مالية، بل هي مدخل سياسي واقتصادي لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة.