أُلفة الإدلبي.. امرأة كتبت عن دمشق بحبر الوفاء

الثورة – همسة زغيب:

“زهرة المانوليا” حين يتفتح الجمال قبل الكلام،  تتفتح كالأرواح النقية، بصمت، ببهاء، ومن دون مقدمات.
إنَّها ليست مجرد زهرة، بل كائن حي يحمل في أوراقه تاريخاً بيولوجياً ضارباً في القدم، ورمزية ثقافية تتجاوز كل الحدود.
مقدمة بدأها الباحث أنس تللو في محاضرة عنوانها: “رواية زهرة المانوليا في دمشق”، للأديبة أُلفة الإدلبي “أدبٌ ينبت من معاني الوفاء”، ألقاها في أمسية ثقافية، احتضنها ثقافي المزة.

أدبها علامة فارقة

استعرض الباحث تللو سيرة واحدة من أبرز الأديبات السوريات، إذ شكَّلت تجربتها الإبداعية علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي النسوي، وامتدت إلى العالمية عبر ترجمات متعددة، ورؤى إنسانية عميقة عندما تقترب من المانوليا لا بوصفها نباتاً، بل مرآة للذاكرة ورمزاً للتلاقي بين الشرق والغرب، لم تكن أديبة بالولادة، بل بالوعي والتجربة حيث بدأت أناملها تخط أدباً رفيعاً في سن الخامسة والثلاثين من عمرها، بدعم من زوجها الدكتور حمدي الإدلبي باعتباره آمن بموهبتها ودفعها إلى المشاركة في مسابقة إذاعة لندن عام ١٩٤٧،  وفازت بقصتها “القرار الأخير” بالمركز الثالث على مستوى الوطن العربي.
كانت تلك اللحظة نقطة تحول دفعتها للنشر في مجلة الرسالة، ثم أصدرت أكثر من خمسين مؤلفاً تُرجم منها إلى خمس عشرة لغة، ودُرِّست أعمالها في جامعات الصين، الولايات المتحدة، روسيا، أوزبكستان.
وأشار الباحث تللو إلى أنَّ عالمية أدب ألفة الإدلبي لا تعود فقط إلى جودة النص، بل إلى صدقه، حيث كتبت عن المرأة، عن الوطن، عن الحزن الجميل بلغةٍ تنتمي إلى القلب قبل انتمائها إلى القاموس.

الستائر الزرق والمانوليا

وتوقف الباحث عند قصتها المؤثرة “الستائر الزرق”، واعتبرها من أبرز نماذجها في تصوير العلاقات الإنسانية في القصة ذاتها، إذ يخطط الزوج لهجر شريكة حياته العاقر، لكنَّه يتراجع حين يرى حرصها على نوافذ بيت ستغادره. إنَّها لحظة إنسانية نادرة، جعلته يندم ويعود، ويضع في إصبعها خاتماً أعدَّه لعشيقة أخرى.
ولفت إلى أنَّ الكاتبة الإدلبي لا تكتب عن الحبِّ فقط، بل عن الرحمة، وعن وفاء لا يُقاس بالإنجاب، وإنما بالتماسك الروحي بين الزوجين.
منتقلاً بحديثه إلى روايتها “المانوليا في دمشق”، المتضمنة قصة الليدي جين دغبي، الأرستقراطية البريطانية مَنْ هجرت القصور الأوروبية لتعيش في دمشق، وتتزوج من الشيخ البدوي مجول المصرب.
لم تكن زهرة المانوليا مجرد خلفية بصرية، بل رمز للتلاقي بين الشرق والغرب، ولجمال ينبت في أرض الحنين لكن أكثر ما يميز أزهار المانوليا في الواقع،  لونها الأبيض النقي وعطرها الفواح، ما يجعلها خياراً مميزاً لتزيين الحدائق والمنازل، لكن أهميتها لا تقتصر على صفاتها الجمالية بل تمتد إلى فوائد صحية عديدة، إذ يُستخدم لحاؤها وأزهارها في الطب التقليدي لعلاج مشكلات التنفس، التوتر، واضطرابات النوم، كما ترمز إلى جمال لا يعرف حدوداً، والتلاقي الحضاري بين ثقافتين، وحين زرعت الليدي “جين” زهرة المانوليا في دمشق، زرعت الكاتبة “الإدلبي” أدبها في وجدان المدينة، فكانت كل رواية لها بمثابة زهرة تتفتح في الذاكرة.

أدب يتجاوز الزمان والمكان

وبيَّن تللو في حديثه أنَّ محاضرته لم تكن مجرد سرد لسيرة أدبية، بل كانت احتفاءً بامرأة كتبت عن دمشق بحبر الوفاء، وجعلت من الأدب رسالة إنسانية تتجاوز حدود الزمان والمكان، وليست فقط أستاذة في الأدب بل في فن الحياة، وإعادة تعريف الحب، والوفاء، والهوية، فيما استطاعت أن تتجاوز حدود اللغة والجغرافيا لتصبح صوتاً إنسانياً عالمياً تتربَّع كرمزٍ أدبي فريد، إذ حملت دمشق في قلبها ونسجت منها حكاياتٍ تلامس الوجدان، فبدت في روايتها “دمشق يا بسمة الحزن”، لا تحكي عن مدينة فقط، بل عن الإنسان في لحظات انكساره وتوقه للحرية، فالبعد الإنساني منح أدبها قابلية الترجمة والتفاعل العالمي، وجعل من الياسمين الدمشقي استعارةً تتفتح في لغات العالم، وأطلق النقاد عليها صفة “الياسمينة الدمشقية”، ومنهم عبد الغني العطري فرأى أنَّ “حبَّ دمشق يسري في شرايينها وعروقها، وكل قطرة من دمها تهيم بحب دمشق”.
لم يكن أسلوب “الإدلبي” عاطفياً فحسب، بل كان فلسفياً وجمالياً سلساً، تجلّى في قدرتها على تحويل التفاصيل اليومية إلى رموز كونية.

أدب عالمي

خاتماً حديثه بشرح عوامل الإبداع في تجربتها، وكيفية تحوله إلى أدب عالمي حيث تعود الأسباب إلى امتلاكها موهبة طاغية لا تحتاج إلى ضجيج إعلامي، فقد حفظت الشعر العربي القديم وقرأت أمهات الكتب، واستطاعت تحويل المرض إلى منحة معرفية، إضافة إلى تمتعها بشخصية متزنة والتزام أخلاقي، والأهم وجود شريك داعم ومؤمن بموهبتها، وبيئة ثقافية محفّزة جمعت بين الأدب العربي الكلاسيكي والحديث.

آخر الأخبار
مشاريع صناعية تركية قيد البحث في مدينة حسياء الصناعية تطوير القطاع السياحي عبر إحياء الخط الحديدي الحجازي محافظ درعا يلتقي أعضاء لجنة الانتخابات الفرعية تجهيز بئر "الصفا" في المسيفرة بدرعا وتشغيله بالطاقة الشمسية توسيع العملية العسكرية في غزة.. إرباكات داخلية أم تصدير أزمات؟. "الذكاء الاصطناعي" .. وجه آخر  من حروب الهيمنة بين الصين و أميركا الجمعية السورية لرعاية السكريين.. خدمات ورعاية.. وأطفال مرضى ينتظرون الكفلاء مدارس الكسوة والمنصورة والمقيليبة بلا مقاعد ومياه وجوه الثورة السورية بين الألم والعطاء يطالبون بتثبيت المفصولين.. معلمو ريف حلب الشمالي يحتجّون على تأخر الرواتب تقصير واضح من البلديات.. أهالٍ من دمشق وريفها: لا صدى لمطالبنا بترحيل منتظم للقمامة ماذا لو أعيد فرض العقوبات الأممية على إيران؟ "زاجل" متوقف إلى زمن آجل..مشكلة النقل يوم الجمعة تُقّيد حركة المواطنين في إدلب وريفها الدولة على شاشة المواطن..هل يمكن أن يرقمن "نيسان 2026" ثقة غائبة؟ تعزيز الشراكة السورية- السعودية في إدارة الكوارث بين الآمال والتحديات.."التربية" بين تثبيت المعلمين وتطوير المناهج "العودة إلى المدرسة".. مبادرة لتخفيف الأعباء ودعم ذوي الطلاب "بصمة فن" في جبلة.. صناعة وبيع الحرف اليدوية إسرائيل تبدأ هجوماً مكثفاً على غزة المشاريع السعودية في سوريا.. من الإغاثة الإنسانية إلى ترسيخ الحضور الإقليمي