الثورة – إيمان زرزور:
انتقل ملف الموقوفين السوريين في لبنان من حالة الجمود إلى مسار مؤسساتي مباشر بين بيروت ودمشق، أحدث التطورات تمثلت بزيارة وفد لبناني قضائي – أمني رفيع إلى دمشق، عقب زيارة وفد سوري إلى بيروت، وإطلاق حوار تفصيلي حول تسليم الموقوفين، وفرز فئاتهم القانونية، وصيغ المعالجة الممكنة خلال الفترة القريبة.
الملف ظل لسنوات موضع تجاذب سياسي وأمني وقضائي بين البلدين، لكن المرحلة الحالية تتسم بمحاولة “تعامل دولة مع دولة” عبر المؤسسات الرسمية، بدلاً من قنوات غير رسمية كانت شائعة سابقاً.
ضم الوفد 12 شخصية بينهم ثلاثة قضاة مكلّفين من وزير العدل عادل نصار: مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية كلود غانم، معاونة المفوض منى حنقير، ورئيس مصلحة السجون في وزارة العدل رجا أبي نادر.
وشارك ممثل عن نائب رئيس الحكومة، ورئيس لجنة التنسيق اللبنانية-السورية، وضباط من الأمن العام ومخابرات الجيش وقوى الأمن الداخلي، وكانت مهمة الوفد: الاطلاع على مطالب دمشق، تبادل لوائح ومعلومات قضائية، وبحث آليات قانونية لمعالجة دفعات من الحالات.
المطالب السورية كما عُرضت في دمشق هي “تسليم جميع الموقوفين السوريين من دون استثناء، والحصول على نسخ من الملفات القضائية، والتهم، وأحكام المحكومين، وإعطاء أولوية للإفراج عن الموقوفين على خلفية سياسية ممن سمّتهم دمشق “موقوفي الرأي”.
الموقف اللبناني كما نقله الوفد هو التأكيد على الالتزام الصارم بالقوانين اللبنانية والفصل بين الفئات “من أنهى محكوميته يُخلى سبيله، مع الحرص على تخفيف الاكتظاظ، ومن ثبتت مشاركته في القتال ضد الجيش اللبناني (خاصة بين 2014-2017 في جرود عرسال) لا تسليم له قبل استكمال محكوميته”، ونفي استمرار توقيف من أتموا أحكامهم أو وقوع ممارسات تعذيب منهجية، مع الاستعداد للتدقيق في أي حالة فردية تثار بالأسماء والوثائق.
ووفق المعلومات فقد أبدت دمشق اهتماماً خاصاً بثلاث حالات محددة: ادعاء بتر أصابع أثناء التحقيق، حالة أنهت محكوميتها ولا تزال موقوفة، وأخرى تتعلق بادعاءات تعذيب شديد. ردّ الوفد اللبناني جاء بالنفي العام، مع إبداء الاستعداد للمراجعة القانونية عند توافر المستندات.
طرحت دمشق أربعة مسارات متوازية أو بديلة “تفعيل المعاهدات القضائية والأمنية السابقة بين البلدين، وعقد اتفاقيات جديدة سريعة تحل محل اتفاقيات حقبة سابقة، وتشريع قانون عفو جديد عبر مجلس النواب اللبناني، وتفاهم مباشر بين وزيري العدل في البلدين يفضي إلى آليات تنفيذية عاجلة”.
الجديد في الملف، هو بدء معالجة الملف عبر قنوات رسمية وعلنية يحد من الارتجال ويؤسّس لشبكة مساءلة مشتركة، مع وجود جدول متابعة: الاتفاق المبدئي على اجتماع إضافي بعد نحو شهر لاستكمال النقاش، وتبادل لوائح أكثر تفصيلاً.
ووفق متابعين، قد يشهد الملف المعقد تصنيفاً أوضح للفئات القانونية (محكومون بجرائم خطيرة، موقوفون قيد المحاكمة، مخالفات هجرة، موقوفو رأي) تمهيداً لمعالجات تفاضلية، كما أن أي تقدم في الإفراج عمن أنهوا محكومياتهم أو في تسوية أوضاع فئات غير مصنّفة سيخفف الضغط عن السجون ويحسّن ظروف الموقوفين، وسياسياً فإن نجاح مسار “المؤسسات” سيرفع منسوب الثقة المتبادلة، وقد يفتح الباب لتفاهمات أوسع في ملفات أمن الحدود والعبور والإقامة.
الجديد هو أن المسار انطلق رسمياً وعلى مستوى مؤسسي، مع إرادة معلنة لدى الطرفين لبلوغ نتائج عملية، والنجاح مرهون بترجمة المقترحات إلى آليات تنفيذية واضحة، وبفرز الفئات القانونية بدقة، وبناء جدولة زمنية قابلة للقياس والمتابعة، كما أن الاتفاق على اجتماع جديد خلال شهر يمنح الملف نافذة زمنية لاختبار جدية الطرح والقدرة على تحويل الكلام إلى إجراءات ملموسة.