الثورة – عبير علي:
في حديثٍ مليء بالشغف، تتأمل الفنانة إلهام سلطان في جوهر الفن ودوره كرسالة إنسانية وإبداعية في حياتنا.. وفي لقاء خاص مع صحيفة الثورة، تحدثت عن مشاركتها الأخيرة في معرض “غلوبال موزاييك” في دبي، والذي كان منصة لتجسيد حوار الحضارات من خلال جمال اللوحات وأفكارها العميقة، قائلةً: “إن أجمل ما في الحياة هو أن يحمل الإنسان رسالة إنسانية وإبداعية، ليكون سفيراً للفن والجمال والمحبة والفكر لوطنه، هذا الوطن الذي يضم تحت كل ذرة من ترابه تاريخاً وحضارات عملاقة عمرها أكثر من عشرة آلاف عام”.
تميزت اللوحات المعروضة بمزجها بين التراث والأصالة والحضارة، عاكسةً مواضيع إنسانية تتعلق بقهر الإنسان وآلام الأوطان، تنوعت الأعمال بين تجسيد النسر بشموخه، والحصان بعنفوانه، والفسيفساء، إلى جانب مواضيع الأمومة، والغربة، والحنين، كما ظهرت لوحات تتناول المهن التراثية والحارات القديمة، ما يعكس غنى الثقافات وتاريخ المجتمعات.
لفتت سلطان إلى أن اللوحات تنبض بالجمال والألق، محملةً بصرخات الألوان التي تتماوج بين الظل والنور، وتجمع بين الألوان الدافئة والحارة، ما يعكس انسيابية في الخطوط وهمسات الريشة، وتتوزع الأعمال بين مدارس متعددة، بما في ذلك الواقعية، والانطباعية، والسريالية.
“حلم”.. قصة الأمل والألم
شاركت سلطان بلوحة تحمل عنوان “حلم”، يظهر في هذه اللوحة النسر شامخاً بجانب الفتاة المتعبة، وبأسلوبٍ يعبّر عن عمق الأحاسيس، قالت: “تجسد الفتاة حزنها الداخلي من خلال ميلان رأسها، ولون بشرتها، ورقبتها، ما يعكس المشاعر المتراكمة بداخلها، في هذا السياق، يغلب اللون الأصفر المائل للعسلي وبعض الظلال البيضاء على وجهها، ما يمثل إشراقة الأمل رغم الألم الذي تشعر به، ويلفت الأنظار القميص الأخضر الذي ترتديه كدليل على الولادة والتجدد المستمر.
“في عالم سلطان، تغوص الفتاة بأحلامها الوردية في عالم آخر، تُحلّق أفكارها بفضل تطاير شعرها الذي يتماوج بين البني والذهبي والأبيض، دليلاً على تراكم التجارب والفترات التي مرت بها، تُمثل هذه الألوان تداخل الذكريات التي تترك أثراً في روحها، فيما يجسد اللون الأزرق السماوي في خلفية اللوحة بُعداً لا محدوداً لأحلامها، رغم الانكسارات التي عانت منها.
يظهر بجانب الفتاة النسر، الذي يسرد لها حكايته في همسات دافئة، فيقول لها: “لقد شاءت لي الأقدار منذ صغري أن أُرمى بعيداً عن عالمي الأصلي، حيث النسور، وتربيت في بيئة مختلفة بين الدجاجات”، ويواصل حديثه مختزلاً مشاعر الفقد والحرمان: “عندما كبرت، كلما نظرت إلى السماء ورأيت النسور تحلق، حلمت بالطيران مثلهم، ولكن الدجاجات تنهرنني قائلات: “لا تحلم بالطيران، لا تنسى أنكٓ دجاجة.
“لذلك، بقي النسر مكسوراً من الداخل، وتبعثر حلمه في الفضاء، لأن كل ما حوله كان يشوه داخله ويمنعه من تحقيق حلمه، محاطاً بإحساس أنه دجاجة وليس نسراً يستطيع الطيران، طوى وجعه بين خافقيه، تاركاً نزفاً في روحه وقلبه، بينما تطايرت أحلامه كأوراق جافة تدور في مهب الريح.
من عمق الألم إلى فجر الأمل
في هذه اللوحة، أرادت سلطان أن توصل رسالة مفادها أن على كل إنسان أن يؤمن بنفسه وبذاته وقدراته، وألّا يسمح للأشرار أن يهدموا صروح أحلامه، وتشير إلى أهمية تجاوز العقبات، وجعلها سلّماً يرتقي به نحو تحقيق أحلامه، لأن الحياة تُعلّمنا أن نحقق أحلامنا النبيلة ونعزز وجودنا الإنساني، وأن نشعّ بفكرنا وفننا وثقافتنا وإبداعنا وإنسانيتنا، فقط حينها يبقى لوجودنا معنى حقيقي.
مؤمنة أن الفن، كعالم من الريشة والألوان، ليس مجرد فضاء وردي، بل هو رسالة تشرق من الداخل، وشعاع ساحر يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، هو لغة لونية مميزة تعطي للروح ألقها، وتغرس في النفس معاني إنسانية سامية، وترسم عوالم من الجمال والبهاء والفكر، وهو يمتلك القدرة على تغيير الواقع.
في النهاية، تُظهر لوحة “حلم” عمق الرسالة التي تلخص كل ما يتمنى الإنسان تحقيقه، رغم القيود التي قد تقف في طريقه، إنها تجسد الصراع بين الطموح والواقع، بين الحلم والألم، بطريقة فنية تأسر القلوب والتفكير.