روّاد القصة القصيرة جداً.. كلّ يكتب بلونه وكلّ الأحبار محترمة

الثورة – لجينة سلامة:

يبدو للبعض أن فن القصة القصيرة جداً، يرمز له بالاختصار “ق. ق. ج”، جنس أدبي جديد، لكنه في الواقع هو فن قديم والدليل أن الروائي آرنست همنغواي كتب قصة قصيرة جداً من ست كلمات جاءت كما يلي: “للبيع.. حذاء طفل لم يرتده أحد”.

واختلف المهتمون بهذا الجنس الأدبي حول عناصره وأركانه، وتصنيفاته، وآلية تمييزه عن باقي فنون الكتابة ورسالتها التواصلية، يقول الكاتب الفنزويلي لويس بريتو غارسيا: “يبدأ التواصل حيث ينتهي الحشو، وتبدأ الكتابة والغواية حيث يبدأ الإيحاء”، فيما يقول القاص السعودي طاهر الزارعي: “ككاتب قصة قصيرة جداً، أدرك تماماً أن الفن يعتمد على التكثيف بشكل كبير، وبالتالي فإنني مطالب بالحذف الفني والاقتصاد الدلالي والتخلص من الحشو اللغوي”.

ويكاد يكون مصطلح “الومضة” أدق توصيفاً لهذا الفن الأدبي، والذي يشير إلى التكثيف والابتعاد عن حشو الكلمات، وامتهان حذفها للوصول إلى قصة ذات فكرة واضحة توصل المغزى منها بسلاسة وذكاء.

“التكثيف والمفارقة والخاتمة هم أركان “ق. ق. ج”، ففي مهرجان القصة القصيرة جداً الذي أقامه اتحاد كتاب طرطوس بالتعاون مع نادي أصدقاء الاتحاد، سلطت الأديبة القاصة أميرة إبراهيم الضوء على هذا الفن، وأوضحت في بحث لها بعض النقاط التي اختلف عليها الباحثون والمختصون بفن “ق. ق. ج” الحديثة، خاصة أن جهوداً كبيرة بذلوها في محاولة لاحتواء كل إرهاصات هذا الجنس وآفاقه البنيوية، ووقفوا عند محطات عديدة كما تقول القاصة، ومنها التصنيف لمجمل الأركان والعناصر التي تشارك في بنائه السردي.

فقد حدد بعض الباحثين أركان “ق. ق. ج” وهي القصصية، الجرأة، وحدة الفكر والتكثيف، فيما ذهب آخر إلى تصنيف مختلف فاعتبر الحبكة، التكثيف، المفارقة، وفعلية الجملة هي الأركان حسب وجهة نظره، وآخر حصرها بالحكاية، التكثيف، والإدهاش.

ومنهم من خلط بين الأركان والعناصر، فيما ذهب آخرون إلى تصنيفات أخرى على سبيل المثال: المساحة النصية، الحبكة، البنية، الأسلوب، والتناص.

وتضيف:” إن أهم ركن من الأركان والذي اختلف فيه الباحثون هو ركن التكثيف، وتختصر بحثها بالقول: “ليس شرطاً أن يكتب غيرك كما تحب أنت، فجنس الـ “ق. ق. ج” له ألوان متعددة، كلّ يكتب بلون، وكلّ الأحبار محترمة، ولكل كاتب نفس ومذاق خاص، ومن هنا يتكون الإبداع الذاتي المختلف عن غيره.

وهناك ثلاثة أركان راكزة مهمة يقوم عليها نص الـ “ق. ق. ج” وهي: التكثيف، إذ يمنح النص هويته، والمفارقة التي تعصمها عن الخبرية والتقريرية، والخاتمة المدهشة التي تقلده التاج، ففي حال سقوط أحدهم يفقد النص القصصي هويته.

“والقاصة أميمة تكتب الشعر والرواية والقصة بأنواعها والخواطر، وهي تتمنى أن يتحول إلى نوع أدبي مستقل بعيداً عن التشابهات والاختلاطات مع أجناسه من أدب الوجيز الأخرى، وأن يجسد الواقع بقدرته العالية على التعبير عن الواقع بشفافية ومصداقية، ويكون وسيلة فعالة للتعبير عن الأفكار العميقة والأحاسيس المعقدة، وترك انطباع قوي دائم للقارئ ليكون أكثر قوة في التأثير على فكر القارئ وروحه، وخاصة بعد تنشقه هواء الحرية وخروجه من تلك القيود التي قيدت من تعبيره بشكل واضح”.

يعبر عن الفكرة بعيداً عن الإسهاب

فيما تعتبر الأديبة القاصة سعاد غانم، وهي مدرسة لغة عربية، وتكتب القصة القصيرة جداً والقصيرة، والشعر، والنثر، تعتبر أن هذا الجنس الأدبي قديم، وليس بجديد وكثر كان لهم نتاجهم في هذا المجال، مثل نجيب محفوظ، وزكريا تامر، وغيرهم الكثير عربياً وغربياً.

وقد استهواني هذا الجنس الأدبي أكثر من الشعر الذي كنت أكتبه والكلام للقاصة سعاد، حتّى إنه استهواني أكثر من القص القصير الذي لا أزال أكتبه، ففن القصة القصيرة جداً يناسب عصر السرعة الذي نعيش فيه وأجده، يعبر عن الفكرة دون اللجوء إلى الإسهاب والشرح والتفصيل الذي يصل أحياناً لحد الملل، وعدم التركيز على الفكرة المطروحة.

فهو يعتمد التكثيف والإيجار، والتركيز على فكرة واحدة، والشخصيات محدودة، ويعتمد على عنصر التشويق، ونهاية مفاجئة وأحياناً مفتوحة تترك للقارئ ملء الفراغ والتأويل، إذ يقول النّفري: “كلما اتسّعت الرؤية، ضاقت العبارة”.

ويقول نيتشه:”إنّ مرماي أن أقول في عشر جمل ما يقوله غيري في كتاب”.

وفي إجابتها عن مستقبل هذا الفن بعد التحرير، أوضحت أن الأفكار موجودة منذ الأزل ومشكلات الحياة وهمومها أيضاً، كتابة نص يتناول فكرة، أو هاجساً، أو أحياناً رؤى مصدرها الواقع المعيش، ولا يتحدد بنمط محدد أو زمن محدد، وما كان حبيس الأدراج فليبقَ بها، الكتابة إذا لم تخدم القارئ وتوسع أفقه، وتعطيه بعض المفاتيح الخفية فلا داعي لها.

“تختتم القاصة كلامها: “ما يمنع في زمن قد يصبح مسموحاً في زمن آخر”، فيما القاصة ليلى أحمد تختصر إجابتها باختصار يعكس حرفيتها في كتابة هذا الجنس الأدبي، فتقول: “أعتقد أن هذا الفن سيستمر بما يستند إليه من عناصر أحدها الترميز، ولن يتوقف ما دام هناك جمهور يتذوق هذا الفن، وما دام هناك كاتب جريء.

هناك دوماً خطوط حمراء يحظر تجاوزها، وما يمنع في زمن قد يصبح مسموحاً في زمن آخر، أكتب القصة القصيرة جداً عملاً بمبدأ “خير الكلام ما قل ودل”.

والأديبة ليلى خريجة تجارة جامعة دمشق تكتب فن القصة القصيرة والقصيرة جداً، والهايكو، والومضة وهي ناقدة ذرائعية.

الـ “ق. ق. ج” مراوغة جداً

أما القاص ياسر أبو عجيب وهو مدرس مرشد نفسي فيقول: “فن القصة القصيرة جداً فن أدبي مضى عليه أكثر من قرن، منذ كتابة الروائي الأميركي همنغواي أول قصة قصيرة جداً، وإلى التاريخ الحالي وما مرت به من تطورات كفن أدبي أصبح راسخاً في أذهان الأدب العالمي، وله مكانة مرموقة، وقواعد ضابطة، ومع المستجدات الحالية أعتقد أنه سيكون هذا الفن أكثر حرية في الكلمات، وأكثر انتشاراً على المستوى المحلي والعربي والعالمي، خاصة أن الأدب عموماً في عهد النظام المخلوع كان ذا مظلومية كبيرة جداً، ومن هنا نأمل أن تكون الحرية الأدبية والفكرية، بلا قيود، ومنها القصة القصيرة جداً التي نأمل أن تفرد جناحيها في سماء الأدب كفن أدبي مستقل.

فالأغلال تقيد العقل، والخوف يقتل الفكر، والكلام للقاص أبو عجيب، لذلك لابد من أن يخرج هذا الجنس الأدبي إلى فضاءات الأدب الواسع والحر مهما طال الزمن، والقصة القصيرة جداً مراوغة جداً، وهناك الكثير من القصص التي راوغت القيد وجعلت الحزام الأمني في حيرة من تفسيرها، وهذا الفن أدب نقدي يحمل في طياته الكثير والكثير من نقد سياسي واجتماعي وفكري، وبالطبع الهامش في حرية التعبير سيكسبها المزيد من الانفلات النقدي في كل المجالات، والكلام للقاص “أبو عجيب”.

النص الأدبي سيبقى مقيداً

أما القاص الشاب حسن كاكور، وهو خريج معهد فندقي، فيكتب فنون المسرح والرواية والقصة بنوعيها، وعن هذا الفن الأدبي يقول: “تعشق القصة القصيرة جداً الرمزية وتعتنقها كسمة، أو إحدى صفاتها الأساسية، كما تلعب على وتر المفارقة، وبرأيي مهما كان سقف الحرية المتاح من قبل السلطات فهناك مساحة شاسعة للرمزية، التي تُكتشف عند القارئ الحصيف، حالياً بلا شك مساحة التعبير أصبحت أوسع من السابق رغم أنني أوقن أنه لا يوجد حرية كاملة، أو سقف عالٍ بلا حدود، فكل سلطة لها تابوهاتها الخاصة وخطوطها الحمراء”.

ويضيف: “الكثير من القصة القصيرة تغرق في الرمزية حتى الإبهام، وربما نتيجة خوف المساءلة أو خوف التعبير وتجنب النتائج السيئة، وأرى أن القصة بشكل عام، أو أي عمل أدبي مقيد يبقى تبعاً لكاتبه، بمعنى أن النص الأدبي سيبقى مقيداً إذا كان كاتبه غير حر في تفكيره وتعبيره، فالقيود الداخلية تمنع الإبداع الذي يتطلب الجرأة والحرية المنضبطة.. لذا أتمنى أن تخرج النصوص الممنوعة أو المخبوءة، وأن تكون المحاكمة والمساءلة للنص وليس للكاتب”، و”آمل أن يماط كلّ ما يقف عن الإبداع فنحن في زمن الحريات”.

القاص أحمد أحمد، وهو مهندس زراعي بيئي، ويكتب القصة القصيرة جداً، والقصيرة، والشعر النثري، ولديه مشروع طباعة في كليهما، يجيبنا عن سؤالنا له: كيف استطاع فن القصة القصيرة جداً أن يشكل جنساً أدبياً مستقلاً وما هو مستقبله بعد التحرير، وهل سيماط اللثام عن القصص حبيسة الأدراج؟.

فقال:” تختلف القصة القصيرة جداً كجنس أدبيّ عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى لعدة أسباب منها أركان القصة القصيرة جداً من مفارقة وتضاد، وتكثيف دلالات إيحائية قابلة للتأويل، مما يفتح النص لآفاق واسعة ومتعددة، بالإضافة إلى الإيجاز وبسردية عالية تحفظ المعنى والقوة والبناء، وتتضمن نهاية مدهشة تشدّ المتلقي وتذهله، على أن لا يتجاوز النص الخمسين كلمة وبمكوناته العنوان والمتن والقفلة.

هذا الجنس استطاع اليوم أن يفرض نفسه في ساحة الأدب والولوج في كل مناحي الحياة، وتنوعها في هذا العصر، الذي يتطلب السرعة والاختزال والتعبير بإيحاء عال.

لذلك استطاعت القصة القصيرة جداً أن تشكل جنساً أدبياً مستقلاً وفي ساحة الأدب العربي والعالمي، وهو الآن يدرس في معاهد وجامعات الأدب الإنساني في عدد من الدول العربية.

ويضيف القاص أكثم: فن القصة القصيرة جداً، اليوم كالأمس لا يقف عند واقع أو ظرف أو حالة هو لكلّ الحالات والظروف والمواقف، وبإمكان مبدع هذا الفن القصصي أن يعبر من خلاله عن كلّ هموم الشعوب ومشاعر الإنسان ومعاناته ونقل أفراحه وأتراحه، وكافة مناحي الحياة في الطبيعة والسياسة والاقتصاد والفلسفة.

عندما يرفع سقف التعبير عن الحريات لا ريب في أنّ القصة القصيرة جداً ستتطور وتسمو لنقل كل ما يهمّ الإنسان في بيئته ومكوناتها.

ويجب أن تخرج الى العلن كلّ ما منعت مراقبة الكلمة من الخروج والوصول الى الإعلام والعالم عبر وسائل التواصل المختلفة.

نأمل أن تُماط كلّ ما يقف عن الإبداع فنحن في زمن الحريات.”

آخر الأخبار
الفوسفات تحت المجهر… توضيحات تحسم الجدل حول "يارا" تحسين الواقع الخدمي في ريف دمشق جامعة اللاذقية تطلق "وجهتك الأكاديمية" 10 ملايين دولار لتأهيل الطرقات في حلب يمنح الخريجين أملا أوسع إدراج معاهد حلب الصحية تحت " التعليم التقاني" الاستثمار الوطني .. خيار أكثر استدامة من المساعدات الشرع.. رؤية جديدة للعلاقات الدولية منصة إلكترونية.. هل يصبح المواطن شريكاً في مكافحة الفساد؟ بمشاركة سوريا.. اجتماع وزاري تحضيري للقمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة انطلاق ملتقى "وجهتك الأكاديمية" في "ثقافي طرطوس" المنصة الإلكترونية.. تعزيز الرقابة المجتمعية في مكافحة الفساد لجنة بحجم "بلدية".. مشاريع خدمية متواصلة في كشكول "وجهتك الأكاديمية".. في جامعة حلب..مساعدة الطلاب لاختيار تخصصهم الجامعي الجفاف الشديد ينتشر في جميع أنحاء نصف الكرة الشمالي بين 3 و5 ملايين سنوياً.. أجور نقل الطلاب ترهق جيوب الأهالي "الغار الحلبي".. عبق التراث السوري اللجنة العليا تتوقع إجراء الانتخابات قبل نهاية أيلول الحالي تدهور شبكات الري وتكاليف المدخلات تحديات تواجه مزارعي الأتارب إدلب تعيد الحياة لقطاعها الصحي وزير الداخلية: التواصل المستمر مع الفعاليات المجتمعية لتعزيز الثقة