الثورة – علاء الدين محمد:
ما من أحد منا إلا ويحمل أنين ووجع سنين الحرب، تتوالى الأيام.. الجرح يتسع ويضيق، ويتعمق الوجع فيه، رغم مسكنات الحب، وعبارات وكلمات نسمعها، لكن علاجنا النفسي والصحي لا يتحقق إلا بوحدة الصف ولم الشمل.
في النادي العربي بدمشق قدمت الدكتورة مرسلينا شعبان حسن محاضرة تحت عنوان (الواقع النفسي والصحة النفسية وفق الفهم النفسي التحليلي تبعاً للمنهج الأكاديمي)، وبدأت محاضرتها بالإضاءة على التقرير العالمي عن الصحة النفسية للعام 2023 الصادر عن منظمة الصحة العالمية، مشيرة إلى أن التقرير بيّن أن معظم الأشخاص المتضررين من حالات الطوارئ سيصابون بالضيق النفسي.
ضغوطات نفسية
وبينت أن أذى الأزمات وخاصة في الحروب يمتد إلى من هم خلف الشاشات، فمشاهدة صور وفيديوهات مختلفة من العنف، والقتل والاستماع إلى قصص الضحايا المؤلمة تشكل ضغوطات نفسية كبيرة على من يتابعون هذه الأحداث المؤلمة، وبذلك التكاليف النفسية للحروب والنزاعات أمر بالغ الأهمية، إذ يمتد للعسكريين والمدنيين بعامة من خلال كل مظاهر الفقد والعجز والتوتر والانهيارات النفسية، وشعور الفقدان في حالة الحروب، مختلف عنه في حالات الفقدان بالظروف الطبيعية.
وأوضحت الدكتورة حسن أنه عندما نفقد شخصاً عزيزاً علينا نشعر بالحزن، لكن الفقدان في حالات الحروب هو فقدان متعدد الأوجه (فقدان للمنزل.. للذكريات.. للأمان العائلي للاستقرار)، وبالتالي هذا الفقد سيسبب الكثير من الآلام التي قد تستمر مدى الحياة إن لم يتم التدخل والرعاية النفسية.
وأضافت: تمثل الخرائط العاطفية السائدة والصحة العقلية معايير هامة لتقدير وتقييم المشاعر السائدة أثناء الحرب وما بعدها، لكن في الوقت نفسه مهمة صعبة ومعقدة للغاية، وقد يؤدي تجميع وتوحيد الخصائص العاطفية لهؤلاء الأفراد إلى مجموعات عاطفية موحدة بقوة قد تصبح استراتيجية قوية في إدارة الصراع.
وعن قدرة المجتمع على التعامل مع التحديات الاجتماعية والأمنية أوضحت الدكتورة حسن أن العواطف تؤثر في الانتباه والتركيز على السلوك والأفعال، وتركز على الذاكرة في ضعفها وجودتها، وتؤثر على عملياتنا المعرفية، إنها تشكل معتقداتنا وتعززها، وتساعدنا على إعادة ترتيب أولوياتنا ومراجعة تسلسل أهدافها، وتؤثر على تفصيلاتنا وتعمل كحلقة وصل بين معتقداتنا وأنظمة القيم لدينا، وبالتالي تعزز التزاماتنا خلال أوقات الحرب، وتطغى المشاعر السلبية كالخوف، والغضب، والكراهية، والإحباط، والحزن، والإذلال، والتأثير على القيم المجتمعية والثقافية السائدة، وهذه المشاعر تلعب دوراً مهماً في دراسة السلوك البشري.
تقييم الصحة النفسية
توقفت المحللة النفسية حسن مطولاً عند الواقع النفسي ما بعد الحروب والنزاعات، مؤكدة أنه يتضمن تقييم الصحة النفسية بعد الحرب والصراع من منظور التحليل النفسي وخاصة منظور “جاك لاكان”، فهم كيفية تأثير الصدمة على البنية النفسية للفرد والجماعة واستكمال اللاوعي وبناء المعنى في مواجهة الطبيعة المروعة للتجربة الصادمة.
وأوضحت أن فهم الواقع النفسي لما بعد الصراع، يؤكد التحليل النفسي والنهج الأكاديمي الذي يتضمن السجلات الثلاث للذات (الخيالي، والرمزي، والواقعي)، من خلال تعطيل اللغة والهياكل الدلالية والصور خاصة الذي يهرب منها الرمزي والخيالي، ويمكن أن تسبب الصدمة قمعاً هائلاً ما يؤدي إلى أعراض، مثل الكوابيس والذكريات المؤلمة وصعوبة التعبير عن التجربة.. ويشدد التحليل النفسي الأكاديمي على أهمية اللغة في بناء الواقع النفسي، فبعد الصدمة يصعب الوصول إلى المعنى وسرد اللغة، ويمكن أن تظهر الصدمة من خلال التكرار القهري أو من خلال الأعراض التي لا تجد أي معنى في الخطاب الواعي للمشاهد المؤلمة في البيئة، مثل الكوابيس والذكريات المؤلمة وصعوبة التعبير عن التجربة.
وبينت الدكتورة حسن أن التحليل النفسي الأكاديمي يشدد على أهمية اللغة في بناء الواقع النفسي، فبعد الصدمة يصعب الوصول إلى المعنى وسرد اللغة، ويمكن أن تظهر الصدمة من خلال التكرار القهري أو من خلال الأعراض التي لا تجد أي معنى في الخطاب الواعي للمشاهد المؤلمة في البيئة.
وعرجت أيضاً الباحثة والمحللة النفسية حسن على تحديات الصحة النفسية بعد الحروب، وقالت: تعد التحديات النفسية من أصعب الأمور التي يمكن أن تواجه الإنسان لأنها تتعلق بالتعامل مع مشاعر العزلة والخوف والضغوط النفسية والوحدة الاجتماعية، ونقص الموارد البشرية، وتشتت نماذج تقديم الخدمات ونقص القدرات المتصلة بالتعامل مع الأزمة، وجعلها حيز التنفيذ وتغيير السياسات التي يمكن ان تسهم، في ردم الفجوة الحالية في علاجات الصحة النفسية.
ومن تحديات الصحة النفسية أيضاً- حسب د. حسن، كل ما يمس كرامة الفرد واحترامه لنفسه، وكل ما يحول بينه، وبين توكيد ذاته، إذ يستبدل به الخوف من فقدان مركزه الاجتماعي، في حين فقده يشعر بالعجز وقلة الحيلة إزاء عادات سيئة يريد الإقلاع عنها.