مزارعو الغاب بين قسوة الجفاف ونيران الحرائق 

الثورة – رسام محمد: 

في سهل الغاب، لم يعد المشهد كما كان في ذاكرة السوريين.. فالأرض التي كانت توفر معظم “السلة الغذائية لسوريا” تحولت هذا العام إلى بقع يابسة محروقة، بعدما اجتمعت عليها قسوة الجفاف ونيران الحرائق، هكذا تسجل المنطقة واحداً من أقسى المواسم الزراعية في تاريخها الحديث، إذ خسر المزارعون محاصيلهم، فيما تبذل المؤسسات الزراعية جهوداً إسعافية لإعادة التوازن، وإن بموارد محدودة.

فداحة الخسائر ترويها الأرقام

الأرقام بدورها تعكس حجم الكارثة، وهذا ما يؤكده مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس عبد العزيز القاسم في تصريح خاص لـ”الثورة” إذ خرجت /12350/ هكتاراً من الإنتاج الشتوي بالكامل، بينها /9738/ هكتاراً من القمح، و/2048/ هكتاراً من الشعير، و/3647/ هكتاراً من البقوليات، وهذه المساحات لم تعطِ سنبلة واحدة.

وإضافة إلى ذلك، سُجل ضرر جزئي على مساحة /13559/ هكتاراً من المحاصيل الشتوية، منها /11388/ هكتاراً من القمح، أما المحاصيل الصيفية، فقد كانت الضربة أعنف، إذ ألغيت الخطة الزراعية للقطن كاملة، بما فيها الخطة التكثيفية، نتيجة الجفاف وغياب مياه الري، يقول أحد المزارعين: “كنا ننتظر القطن ليكون قوتنا في الشتاء، لكن الماء انقطع، ومعه انقطع الأمل”.

الحرائق تلتهم الزيتون

لم يقتصر الضرر على الجفاف وحده، بل امتدت الحرائق لتأتي على أشجار الزيتون والحراج، فخلال أيام قليلة، غطى دخان أسود سماء الغاب، والتهمت النيران عشرات السنين من عمر أشجار الزيتون، ووفق تقديرات الهيئة العامة لتطوير الغاب، بلغ عدد الأشجار المثمرة المتضررة نحو 80 ألف شجرة، بينها /68870/ شجرة زيتون، هذا الرقم لا يعكس مجرد خسارة زراعية، بل يعني أن آلاف العائلات فقدت مصدر زيتها وغذائها ودخلها السنوي.

وبحسب م. القاسم فإن الأزمة انعكست أيضاً على تنوع المحاصيل وجودتها، فالجفاف أجبر المزارعين على التخلي عن محاصيل أساسية مثل القطن والذرة، بينما تراجعت مساحات القمح والبقول.

خطوات إسعافية

وأضاف: إنه في مواجهة هذا الواقع، يتم تنفيذ خطط إسعافية، شملت صيانة قنوات الري وإصلاح البلاطات والجدران المتضررة لتقليل الفاقد وضمان وصول المياه، كما نسّقت مع منظمات دولية للتعويض على المتضررين من الكوارث الطبيعية، فالخسائر التي تكبدها المزارعون كبيرة ومؤلمة، لكنها لم تكسر إرادتهم، نحن نعمل على إعادة تأهيل شبكات الري، وتعزيز الاعتماد على الطاقة الشمسية، بالتوازي مع دعم المزارعين بمستلزمات الإنتاج، لنضمن استمرار النشاط الزراعي رغم كل الظروف.

نحو موسم جديد رغم الخسائر

وأوضح م. القاسم أن الهيئة تتابع جهودها من خلال صيانة شبكات ري طار العلا، وشبكة الغاب، سواء بآلياتها المباشرة أم بالتعاون مع منظمات مثل “الفاو” ودائرة العلاقات المسكونية، وشملت الأعمال تعزيل قنوات الري والمصارف، وإزالة السدات، وصيانة جور السقاية والعبارات ومن جهة أخرى بدأت الهيئة تشجع المزارعين على اعتماد الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات الآبار الارتوازية، بعد أن أصبحت المحروقات عبئاً ثقيلاً وصعبة التوافر. هذه الخطوة، برأي القاسم، ليست مجرد حل مؤقت، بل “استثمار استراتيجي في المستقبل الزراعي للغاب”.

وأشار إلى أن الجهود لا تتوقف عند إسعاف الحاضر، بل تمتد نحو التحضير لموسم قادم أكثر استقراراً. يجري حالياً تسهيل حصول المزارعين على البذار والأسمدة عبر التنظيم الزراعي والمصارف التعاونية، إضافة إلى منح شهادات المنشأ لتسويق محصول القمح إلى مراكز الحبوب، وتجهيز الطرق الزراعية قبل موسم الحصاد لتسهيل حركة الآليات، إلى جانب ذلك، تتابع الفرق الفنية والإرشادية المحاصيل بشكل مباشر، وتعمل على نشر أساليب الزراعة الحديثة عبر ندوات ونشرات إرشادية، بما يرفع الإنتاجية ويخفف من الأعباء.

“هنا كان رزقنا”

في القرى المحيطة بالسهل، تتكرر قصص الفقدان، أبو أحمد يقف أمام أرضه الصفراء قائلاً: “كنا ننتظر أن نطعم أولادنا من قمحها، لكن الأرض عطشت وماتت”.. فيما تجلس أم خالد قرب بقايا الزيتون المحترق هنا كان رزقنا، زيت الزيتون الذي ننتظره كل عام.. وهو صورة حقيقية لواقع مئات العائلات التي فقدت قوت يومها.

وهكذا.. فإن مع قسوة الجفاف وألسنة النيران، يواجه مزارعو الغاب واحدة من أقسى الأزمات الزراعية، ومع أن الأرقام صادمة، بخروج /12350/ هكتاراً من الإنتاج، واحتراق أكثر من 80 ألف شجرة مثمرة، إلا أن العمل جارٍ على صيانة قنوات الري، وتعزيز الطاقة الشمسية، والتعاون مع المنظمات الدولية لتأمين التعويضات، فضلاً عن دعم المزارعين بمستلزمات الإنتاج.. وكما يؤكد المهندس القاسم: “الرهان يبقى على صمود الأرض والإنسان معاً، فالغاب كان وسيبقى سلة غذاء سوريا مهما قست الظروف”.

آخر الأخبار
"تقنيات التعلم الفعال".. تحصيل حياتي أفضل تشريعات الاغتصاب .. صرامة في النص تساهل في التطبيق ثلاثية بيضاء لميلان في الكالتشيو طرح الدوري الممتاز وكأس الجمهورية للبيع.. فمن يشتري؟ دمشق وواشنطن .. نحو بناء علاقات راسخة تحاكي المصالح المشتركة مزارعو الغاب بين قسوة الجفاف ونيران الحرائق  وقفة احتجاجية تطالب بإسقاط المرسوم 66 .. أصحاب الحقوق: أكبر جريمة نهب عقاري في تاريخ دمشق السياسة الخارجية السورية التفاعلية... نقطة على السطر الشيباني.. واختبار جدية التأثير الأميركي على "قسد" صفحة جديدة في مسار العلاقات السورية-الأميركية الزبداني .. تعيد النور إلى فصول مدارسها 30 مدرسة بريف دمشق تتحضر لاستقبال طلابها فتح 200 كم "خطوط نار" في ريف اللاذقية الشمالي تكريم حفظة القرآن في تجمع "جديدة الفضل" و"دروشا" افتتاح محكمتي صلح في "دارة عزة" و"الأتارب" ‏ختام فعاليات ملتقى "وجهتك الأكاديمية" في جامعة الفرات إقالة دبلوماسيين أميركيين معنيين بالشأن السوري بشكل مفاجئ  ‏الصيد الجائر يهدد الثروة السمكية في دير الزور إصلاح أم إعادة تموضع بين "العام" و"الخاص" ؟ إدانات دولية متصاعدة لتوسيع الاحتلال عدوانه على غزة