الثورة – مها يوسف:
مع دقات الجرس الأولى في بداية العام الدراسي يختلط في قلوب الأطفال الكثير من المشاعر حماساً لاكتشاف الجديد، أو قلقاً من المجهول وربما خوفاً من الانفصال عن الأهل.
وفيما يحلم الوالدان أن يذهب طفلهما إلى المدرسة بفرح، يجدان أحياناً أن صباحه يبدأ بالدموع أو الشكوى.
في هذه اللحظة يتساءل الأهل كيف نجعل المدرسة مكاناً يحبه طفلنا بدل أن يخشاه؟
الدكتورة تهامة محمد المعلم، المتخصصة في التربية وعلم النفس، أشارت إلى مجموعة من المفاتيح العملية التي تساعد الطفل على بناء علاقة إيجابية مع المدرسة، خطوة بخطوة، بعيداً عن الضغط أو التوتر.
فهم السبب الحقيقي
توضح د. تهامة أن رفض الطفل للمدرسة لا يعني بالضرورة كرهه للتعلم، فقد يكون السبب خوفاً من المعلم أو شعوراً بالوحدة، أو حتى تعرضاً للتنمر أو صعوبة في الدروس، وهنا تنصح الأهل بالاستماع الصبور ، وطرح أسئلة لطيفة مثل “ما الذي لا يعجبك؟”، مع الإصغاء من دون حكم، وأحياناً يكفي أن يشعر الطفل أن والديه يفهمانه ليبدأ موقفه في التغير.
وتشدد على أن الأهل أحياناً ينقلون لأبنائهم قلقهم المفرط بشأن الدرجات والتفوق، فيرتبط مفهوم المدرسة في ذهن الطفل بالخوف بدل الفضول، لذلك الأفضل هو التركيز على قيمة التعلم بحد ذاته، والاحتفاء بالمحاولات الصغيرة، عبر عبارات تشجيعية مثل “المهم أنك تحاول وتتعلم” وكل تقدم نحتفل به.
بداية دافئة
وتشير د. تهامة إلى أن الصباح يشكل البوابة الأولى لمزاج الطفل الدراسي، ويصنع فرقاً كبيراً، فالصوت الهادئ والفطور المحبب، والكلمة اللطيفة، أو الضحكة الصغيرة، قد تجعل الطريق إلى المدرسة أخف بكثير من صراخ واستعجال يترك أثراً سلبياً طوال اليوم.
وتنصح الأهل أن يهتموا بتفاصيل يوم طفلهم في المدرسة، لا بالواجبات والعلامات فقط، بل بأسئلة مثل “مع من لعبت؟ ما أكثر شيء أحببته اليوم؟” فهذه تمنحه شعوراً بأن عالمه مهم لديك، وأنك تشاركه فرحته لا تراقبه فقط.
توضح أن مدح الجهد هو ما يعزز ثقة الطفل بنفسه ويشجعه على الاستمرار بعبارات “أعجبني أنك حاولت على الرغم من صعوبة المسألة”، هذا النوع من التشيجيع يبني بداخله الحافز الذاتي و يجعله يجرب ويتعلم من دون خوف من الفشل.
التعاون مع المعلم
وتلفت د. تهامة النظر إلى أن صديقاً واحداً مقرباً قد يجعل المدرسة مكاناً محبوباً أكثر من أي درس، لذا من المهم مساعدة الطفل على تكوين صداقات أو التحدث مع المعلمين إذا بدا وحيداً وأيضاً تشجيعه على دعوة زملائه للعب خارج المدرسة.
تشدد د. تهامة على أن البيت والمدرسة شريكان في مصلحة الطفل. فإذا اشتكى الطفل من موقف ما، من المهم الإصغاء له أولاً، ثم التواصل بهدوء مع المعلم، من دون انتقاده أمام الطفل، لكي تبقى ثقته بالمدرسة قائمة.
وترى أن ربط ما يتعلمه الطفل بحياته اليومية يجعل المعرفة أكثر قرباً من قلبه، فإذا درس عن الطقس يمكن الحديث عنه أثناء الخروج من البيت، وإذا تعلّم العدّ يمكن أن يعدّ النقود أو أدوات المائدة. بهذه الطريقة يتحول التعلم إلى جزء حي من يومه.
لا للمقارنة
وأخيراً تحذّر د. تهامة من مقارنة الطفل بغيره، لأن ذلك يطفئ الحافز ويزرع بداخله شعوراً بالنقص، فالأفضل هو مقارنته بنفسه فقط، والاحتفاء بخطوات تقدمه مهما كانت بسيطة.
وتلخص الأمر بقولها: إن حب المدرسة لا يُفرَض على الطفل، بل يُزرع باللطف ويُسقى بالاهتمام ويكبر بالثقة.
فحين يشعر الطفل أن المدرسة مكان آمن، وأن التعلم متعة، وأنه محبوب حتى لو أخطأ، فإنه سيذهب إليها برغبة صادقة، لأنها أصبحت بالنسبة له بيئة تحتضنه وتمنحه فرصة للنمو، والأهل يفرحون بجهده قبل نتيجته.