الثورة – جهاد اصطيف:
مع اقتراب انتهاء أعمال التجميل والصيانة في قلعة حلب ومحيطها، أطلق محافظ حلب المهندس عزام الغريب نداءً إلى أهالي المدينة وزائريها، طالبهم فيه بالتعاون مع الجهات المعنية لإنجاح حملة مركّزة لمعالجة المخالفات والمظاهر العشوائية في محيط القلعة، وضبط مداخلها ومخارجها، وذلك في إطار مشروع ” رح ترجع أحلى”، الذي يهدف إلى إعادة الاعتبار للمدينة القديمة ومعالمها التاريخية.
مسؤولية جماعية
وأكد المحافظ أن القلعة ليست مجرد معلم أثري، بل رمز للشموخ والصمود والعراقة، موضحاً أن الحفاظ عليها مسؤولية جماعية، لا تقع على عاتق المؤسسات الرسمية وحدها، وإنما تحتاج إلى تعاون الأهالي والباعة والزائرين مع الفرق المختصة.
مضيفاً: لقد أفسحنا المجال خلال الصيف ليأخذ الناس راحتهم في المكان من دون قيود، لكننا اليوم أمام مرحلة جديدة، تستوجب تنظيماً أكبر بما يحفظ جمالية الموقع ويعكس الوجه الحضاري لحلب.
وشدد الغريب على أن الحملة المرتقبة لن تقتصر على إزالة المخالفات العمرانية أو البسطات غير المرخصة، بل ستشمل وضع خطط لإدارة الحركة المرورية والمشاة في محيط القلعة، وتنظيم أماكن الاصطفاف، بما يضمن راحة الزائرين ويخفف من مظاهر الفوضى.
رؤية هندسية وتنظيمية
المشرفون على المشروع، أوضحوا أن أعمال التجميل داخل القلعة وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وتمّ تنظيف الممرات وإعادة تأهيل بعض الأبراج وصيانة الأرضيات الحجرية. وأكدوا أن التركيز في المرحلة المقبلة سينصب على محيط القلعة، الذي يعد نقطة جذب رئيسية للزوار.
العمل الهندسي لا يقتصر على الترميم المادي، بل يشمل أيضاً وضع رؤية عمرانية متكاملة، تضمن انسجام الموقع مع محيطه، نظراً للأهمية السياحية البالغة للحملة، واعتبروا أن أي زائر يصل إلى حلب يضع القلعة في مقدّمة أولوياته، لذلك فإن تنظيم محيطها سينعكس مباشرة على الحركة السياحية، لأنه يمنح صورة إيجابية عن المدينة ويُشعر الزائر بالراحة والأمان.
تاريخ يواجه الحاضر
تعتبر قلعة حلب واحدة من أقدم وأكبر القلاع في العالم، إذ يعود تاريخها إلى آلاف السنين، حيث شيدت على تل مرتفع يشرف على المدينة، وقد شهدت القلعة عبر العصور أدواراً دفاعية وعسكرية، إضافة إلى كونها مركزاً إدارياً وحضارياً.
ورغم ما لحق بها من أضرار خلال سنوات الحرب، فإنها بقيت شامخة، ترمز إلى صمود المدينة وأهلها، وتؤكد الدراسات الأثرية أن القلعة ليست مجرد مبنى حجري، بل سجل مفتوح لتاريخ حلب وتحولاتها العمرانية والاجتماعية.
ويرى عدد من المؤرخين أن القلعة تمثل نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، وآن إعادة تأهيل القلعة ومحيطها ليست مجرد عملية ترميم، بل هي إعادة وصل بين المدينة وتاريخها، وحين يستعيد الحلبيون قلعتهم، فإنهم يستعيدون جزءاً من هويتهم.
تنظيم اقتصادي واجتماعي
لا يخفى أن الباعة المنتشرون في محيط القلعة كانوا جزءاً من المشهد اليومي لزائريها، لكن وجودهم العشوائي أساء في كثير من الأحيان إلى جمالية المكان وأعاق حركة السياح.
المحافظ شدد في ندائه على ضرورة التوازن بين الحفاظ على أرزاق الباعة وبين تحقيق المصلحة العامة.
وفي هذا السياق، أشار المشرفون إلى وجود خطّة لتخصيص مواقع منظمة للباعة، بحيث يتم دمج نشاطهم ضمن الطابع التراثي والسياحي للمنطقة من دون أن يتم إقصاء أحد، بل تسعى المحافظة إلى تنظيم العمل بما يحقق المنفعة للجميع.
أثر المشروع على المدينة
كما يرى عدد من المهندسين والخبراء، أن مشروع إعادة تنظيم القلعة ومحيطها، سيكون له أثر مضاعف على مدينة حلب بأكملها، واعتبروا أن القلعة ستتحول بعد التنظيم إلى نقطة انطلاق لإعادة تأهيل المدينة القديمة، لجعل القلعة مركز جذب منظم، وينعكس ذلك على الأسواق القديمة المجاورة، مثل سوق الزرب وسوق السقطية، ويعيد لها الحياة التجارية والسياحية، فالتجارب العالمية أثبتت أن الاهتمام بالمواقع الأثرية الكبرى، يفتح المجال أمام استثمارات ثقافية وفنية، مثل المهرجانات والمعارض والحفلات الموسيقية، وهو ما تحتاجه حلب في مرحلة التعافي.
دعوة للتعاون
وفي ختام ندائه، جدد المحافظ دعوته للأهالي والباعة والزائرين للتعاون مع فرق العمل الميدانية، مؤكداً أن القلعة ملك للجميع، وأن الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة، وأضاف: لن ننجح من دون تعاون الأهالي، هذه الحملة ليست لفرض القيود، بل لإظهار أجمل ما في حلب.
وأشار إلى أن المحافظة خصصت فرق متابعة ميدانية، ستعمل على مدار الساعة خلال الفترة الأولى من الحملة، لضمان تطبيق الإجراءات ومتابعة الملاحظات الواردة من المواطنين.
بين الماضي والمستقبل
إن الحملة المرتقبة لمعالجة المخالفات وتنظيم محيط قلعة حلب، ليست مجرد إجراء إداري أو خدمي، بل خطوة استراتيجية لإعادة إدماج هذا المعلم في الحياة اليومية للمدينة، فهي تجمع بين البعد التاريخي الذي يرمز إلى صمود حلب، والبعد التنموي الذي يسعى إلى جعلها مركز جذب سياحي واقتصادي.
وبينما ينتظر أهالي حلب انتهاء الأعمال وبدء الحملة، يظل الأمل كبيراً بأن تستعيد القلعة مكانتها كأيقونة حضارية، وأن تكون نقطة انطلاق نحو إعادة إعمار شامل يعيد للمدينة ألقها وازدهارها.