الثورة – رزان أحمد:
لم تعد الدروس الخصوصية مجرد خيار استثنائي يلجأ إليه الطالب الضعيف أو المتأخر دراسياً، بل تحولت إلى ظاهرة واسعة الانتشار تكاد تشكّل جزءاً من الروتين اليومي للأسر، وأعباء إضافية تثقل كاهلها المادي والنفسي.
ومع أن التربية والتعليم قطعت أشواطاً مهمة في تطوير المناهج والبنية التحتية، إلا أن سنوات الحرب وما رافقها من نزوح وفقدان الكوادر، ساهمت في تعميق هذه الظاهرة، حتى صار الاعتقاد سائداً أن النجاح لا يتحقق إلا بالدروس الخصوصية.
ولعل أسباب التفشي بين الواقع والتقصير، ربما يعود إلى كثافة الصفوف وصعوبة المناهج، فهناك طلاب كثر يؤكدون أن المعلم رغم خبرته لا يستطيع الإجابة عن جميع الأسئلة أو حل جميع التمارين داخل الحصة، نظراً لضعف بعض الكوادر التدريسية، مع ملاحظة وجود مدارس في أطراف المدن تعاني نقصاً في المعلمين المؤهلين، ما يترك فراغاً يسدّه المدرس الخصوصي.. ناهيك عن أوضاع الحرب وحالة التنقلات وتغيّب بعض المعلمين عن دوامهم، وانتقال الأهالي إلى مناطق أكثر أماناً، إضافة إلى أن صعوبات المواصلات كلها انعكست على جودة العملية التعليمية.

ثقافة اجتماعية سائدة
بعض الأهالي يعتبرون الدروس الخصوصية معياراً للاهتمام بأبنائهم، فيما يشعر بعض الطلاب أن عدم حصولهم عليها يجعلهم أقل شأناً من زملائهم.
في هذا السياق ترى الطالبة مريم سليمان- طالبة ثالث ثانوي، أن نقص الشرح داخل الصف يدفعها إلى البحث عن المعلومة خارج المدرسة.
وبالمقابل من وجهة نظره الطالب أحمد عابدين يرى أن المناهج العلمية الثقيلة تجبر حتى المتفوقين على الاستعانة بالخصوصي لصقل المعرفة.
فيما يرفض الطالب سالم ابراهيم اللجوء إلى هذه الدروس، معتبراً أن الاجتهاد والمتابعة اليومية تغنيه عنها، محذراً في الوقت ذاته من أنها تصنع جيلاً اتكالياً ينتظر الحلول الجاهزة.
فيما حال الأهالي، يعانون من معادلة مطرقة الغيرة وسندان التكاليف، فكل على طريقته، يقف في مواجهة هذا الاستنزاف.
يشير ثائر. ص، إلى أنه يضطر إلى الاستعانة بمدرّس خصوصي من أجل ابنه، لكن ورغم ظروفه القاسية لم تتحسن أوضاع ابنه الدراسية بشكل إيجابي بما يساعد على نجاحه وتفوقه ، فلا يدري أين المشكلة إن كانت بالولد أم بالمدرس أم بكليهما معاً، على الرغم من أن قيمة الساعة الواحدة ٢٥ ألفاً لمادة الفيزياء مع المراعاة طبعاً.
وتشير عبير الناعمة إلى أن تفاوت كفاءة المعلمين يجرّ الطلاب نحو الخصوصي، وبعض المدرسين للأسف يتعمّدون التقصير في الشرح داخل المدرسة لضمان دروس إضافية بمقابل مادي.
أما البعض الآخر فيلفت إلى وجود مبالغة كبيرة في أسعار الدروس، إذ يعتقد العديد من الأهالي أن ارتفاع الأجر مرادف للكفاءة، ما يزيد الضغط النفسي والمادي على الأسر محدودة الدخل، فبعض المدرسين تصل ساعته الدرسية إلى أكثر من مئة ألف ليرة في المدينة وعند بعض العوائل المقتدرة.
وما بين رسالة التعليم وضغوط المعيشة، لا يخفي بعض المعلمين أن انخفاض رواتبهم دفعهم للبحث عن مورد إضافي، فيما يرى آخرون أن المدارس تقدم بالفعل دروساً إثرائية مجانية، لكن عزوف الأهالي عنها وتفضيلهم الدروس الخاصة يشجع على هذه السوق الموازية.
المدرسة أمل سعيد، للغة الانكليزية، نوهت في هذا السياق بأن الدروس الخصوصية باتت تخضع للواقع المادي لكل أسرة وخاصة في هذه الظروف الصعبة والتي يجب أن يراعى فيها حال الناس حسب رأيها، مشيرة إلى أن أجرة الساعة الواحدة للدرس الخاص حسب كل مرحلة تخضع بكل أمانة حسب دخل الأسرة في المناطق الشعبية، لافتة إلى أنها تأخذ في متابعة طالب ابتدائي ٤٠ ألفاً في الشهر، و٢٥ ألفاً للساعة لطالب واحد، لكن غالباً ما يكون هناك ثلاثة أو خمسة طلاب ويقسم المبلغ عليهم.
يبدأ من المدرسة
وبناء على ما تقدم تعتبر الاختصاصية التربوية وصال العلي أن حلّ هذه الظاهرة يبدأ من المدرسة، فالدروس الخصوصية قد تكون مفيدة للطلاب الضعفاء، لكنها تتحول إلى تجارة تستنزف الأهالي وتزرع الاتكالية، مؤكدة أن الحل كما ذكرت يبدأ من داخل المدرسة من خلال رفع كفاءة المعلمين، وشد انتباه الطلاب بأساليب تدريس أكثر جاذبية، مع أهمية تعزيز قيم الاعتماد على الذات، وتوعية الأهل بمخاطر الركون إلى الدروس كبديل عن المدرسة.
نظام تعليمي أكثر ثقة
واعتبرت الخبيرة العلي أن ظاهرة الدروس الخصوصية ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة تراكمات يمكن معالجتها، فالمدرسة هي الأساس، وإذا استعاد المعلم مكانته كقدوة ومصدر ثقة، وأدرك الأهل أن النجاح يصنع بالمتابعة اليومية والاجتهاد لا بالإنفاق المفرط، عندها فقط يمكن أن تتحول “موضة العصر” إلى مجرد ذكرى من الماضي.
