صحفيات عربيات: بين المهنية والمضايقات معركتنا الإعلامية مستمرة

الثورة – تحقيق ثورة زينية:

في غرف الأخبار في الصحف والتلفزيونات، قد لا يبدو الفرق واضحاً، لكن خلف الكواليس، تعيش الصحفية معركة مزدوجة، واحدة مع ضغط المهنة، وأخرى مع التوقعات الاجتماعية التي لا تزال تزن حضورها بميزان تقليدي.

وعلى الرغم من أن الحضور النسائي في الإعلام لم يعد حدثاً جديداً، إلا أن التحديات التي تواجهها النساء في هذا المجال لم تفقد حدتها، فما زالت الصحفية مطالبة بإثبات جدارتها بشكل مضاعف، ليس لأن قدراتها موضع شك، بل لأن الميدان نفسه مازال مصمَّماً على مقاسات لا تناسبها دائماً، من ساعات العمل الطويلة إلى التغطيات الخطرة، وصولاً إلى ثقافة عمل ترى في المرأة خياراً احتياطياً في بعض المواقع.

في هذا التحقيق الصحفي نسلط الضوء على هذا الواقع من خلال إجراء استطلاع شمل آراء واسعة، وشاركت فيه مجموعة من الصحفيات السوريات والعربيات عبر تطبيق “الماسنجر”، وعبرت الصحفيات عن تجاربهن الشخصية، والتحديات التي تواجههن في بيئات العمل الإعلامي.

استنزاف

الصحافة ليست مجرد وظيفة، إنها عمل مستمر ومتقلب، ومتطلب، وكل هذا لا يخفى على الصحفيات، لكن التحدي – بحسب الصحفية ريم عبود- لا يقف عند حد التوتر المهني، بل يتعداه إلى ضرورة تحقيق توازن شبه مستحيل بين الدور المهني والدور الاجتماعي، فالمجتمع لا يزال يسأل المرأة عن بيتها قبل أن يعترف بمهنيتها، ويتعامل مع التزامها العائلي كتنازل، ومع طموحها المهني كخطر.

وترى الصحفية عبود أنه، في ظل العمل على مدار الساعة، الذي فرضته التكنولوجيا الحديثة، تحول الميدان إلى مساحة استنزاف أكثر منه مساحة تمكين، خصوصاً عندما تغيب سياسات الدعم، وتترك الصحفية في مواجهة الإنهاك بمفردها.

التقييم بمعايير مزدوجة

“الصحفيات رغم كفاءتهن ما زلن يواجهن تمييزاً مهنياً، وقلة منهن يصلن إلى مواقع القرار التحريري”، تقول الصحفية لجين الأحمر: “غالباً ما تُعامل المرأة في المؤسسات الإعلامية على أنها واجهة تمثيلية، أو كما يصفونها أحياناً واجهة ناعمة، أكثر من كونها فاعلة ومؤثرة، ومع غياب الشفافية في الترقية والتوزيع تتسع الفجوة بين الجهد المبذول والفرص المتاحة”.

الصحفية الأردنية فاتن أبو زيد أكدت أنه، وعلى الرغم من دخول المرأة بقوة إلى ميادين العمل الإعلامي، فإن كثيراً من الصحفيات يواجهن تحدياً غير مرئي، لكنه مؤثر، وهو التمييز المهني، واصفة إياه بأنه تمييز لا يصرح به، ولا يناقش علناً، لكنه يتجلى يومياً في التهميش وتجاهل الترقيات وتوزيع المهام، وحتى في تقييم الأداء.

وتضيف: “التمييز لا يأتي فقط من الزملاء، بل من بنية المؤسسة نفسها، والكثير من الصحفيات يتحدثن عن سقف غير معلن يمنعهن من التقدم”، موضحة أن الترقيات تمنح للرجال بسرعة أكبر، والتقدير أحياناً لا يبنى على الأداء المهني وحده، بل على مدى القدرة على الاندماج في البيئة الذكورية القائمة في مجتمعاتنا العربية.

حضور من دون تمكين

المراسلة الصحفية في تلفزيون ليبيا، سهيلة الزروق، أشارت إلى أنه في كثير من المؤسسات الإعلامية، بات الحضور النسائي متزايداً من حيث العدد، لكنه غالباً لا ينعكس في مواقع صنع القرار، فالمرأة الصحفية قد تكون بارزة أمام الكاميرا أو نشطة في الميدان، لكنها نادراً ما تحضر على طاولة التحرير عندما تتخذ القرارات أو ترسم السياسات التحريرية، إذ إن معظم المؤسسات الإعلامية لا تزال تتعامل مع الصحفية كواجهة ناعمة، لا كعنصر تحرير أساسي يسند إليها تقديم البرامج أو تغطية القضايا الاجتماعية، فيما تحجب عنها الملفات السياسية أو الاستقصائية المعقدة، بحجة الخبرة أو الملاءمة.

المطلوب سياسات شجاعة

حتى تصبح المؤسسات الإعلامية حاضنة حقيقية للعدالة المهنية، فلا بد- بحسب الصحفية الأردنية غدير عمر- من الاعتراف بأن التحيز القائم على النوع الاجتماعي لا يزال حاجزاً صلباً أمام تقدم الصحفيات مهما ارتفعت أصوات الشعارات الداعية للمساواة، معتبرة أن التمييز ضد الصحفيات لا يُرى بسهولة، لكنه يُشعَر به بوضوح، ولا يتجلى فقط في ما يقال، بل في ما لا يقال: في الفرص الغائبة وفي الاجتماعات المغلقة وفي القرارات التي تتخذ من دونهن.

وأكدت على ضرورة إعادة النظر في آليات الترقية والتكليف واعتماد معايير واضحة وشفافة تستند إلى الأداء، مع تفعيل المساءلة الداخلية، خاصة في قضايا التمييز والتحرش المقنع، مضيفة: تمكين الصحفيات في مواقع القرار لا يكفي فيه الحضور الرمزي، بل يجب أن تُمنح المرأة دوراً فعالاً في إدارة التحرير وصياغة السياسات.

الخوف الصامت

قضية التحرش في الوسط الإعلامي ليست جديدة، لكنها ما زالت في الظل، وهي تحدٍّ مؤلم آخر تواجهه الكثير من الصحفيات، لأن أغلبهن يخترن الصمت خوفاً من الخسارة، ليس فقط خسارة الوظيفة، بل أحياناً خسارة السمعة أو الحماية أو الاحترام.

تقول الصحفية ندى، التي تعمل في صحيفة يومية: قبل عدة أعوام تعرضت لتحرش وتضييق من مديري، وعندما لم أستجب لما يطلبه حرمني من كل الميزات التي يمكن أن أحصل عليها، وكنت طوال فترة وجوده مهمشة مع محاولته اصطياد أقل هفوة ليجدها فرصة سانحة لتوبيخي واتهامي بضعف المهنية، على الرغم من شهادة الجميع بأنني متميزة في أدائي المهني.

تتابع ندى: اضطررت للسكوت خوفاً من أن أفقد عملي، ففي ذلك الوقت لم يكن لدي رفاهية الاختيار فقد كنت أعيل نفسي وأولادي في ظل ظروف معيشية صعبة، وفرص العمل محدودة جداً في ذاك الوقت، في ظل وضع أمني صعب وخطير عاشته البلاد خلال سنوات الثورة السورية، بينما كنت أرى زميلات يحصلن على امتيازات من دون استحقاق.

طاولة المقايضة

منار الخطيب، مراسلة ميدانية سابقة في إحدى القنوات التلفزيونية، تقول: في تغطيتي لإحدى الفعاليات الميدانية، كنت الوحيدة في فريق ذكوري، وكان التعامل في البداية مهنياً، لكنه ما لبث أن تحول لمضايقات، كمحاولات التقرب في أوقات غير مهنية، مبينة أن التغطية تكون أحياناً مرتبطة بتنازلات شخصية، وكثيراً ما شعرت خلال سنوات عملي في مهنة المتاعب التي تنوف على 20 عاماً أن كرامتي كانت توضع على طاولة المقايضة مقابل قصة صحفية أو ترقية، وفي بعض الأحيان فإن الصحفية التي ترفض الدخول في علاقات شخصية مرغوبة من قبل أحد المسؤولين قد تجد نفسها تقصى من الاجتماعات أو تحرم من الفرص.

وتعتبر الخطيب أن هذا النوع من التمييز لا يصرح به، لكنه معروف غالباً داخل أروقة بعض المؤسسات الإعلامية، مختتمة حديثها: التحرش هنا لا يعني فقط الأذى الجسدي أو اللفظي بل قد يتحول إلى أداة للتمييز والضغط، ووسيلة لإقصاء النساء من مواقع القوة.

الثورة الرقمية

ولا يمكن أن نغفل في تحقيقنا هذا موضوع الثورة الرقمية التي قلبت مهنة الصحافة رأساً على عقب، فبحسب الصحفية السعودية رحاب العيفا: أصبح البقاء فيها يتطلب مواكبة مستمرة ومهارات جديدة، لكن الكثيرات من الصحفيات، خاصة في الدول النامية والعربية يواجهن فجوة في التدريب والتأهيل، ما يضعف قدرتهن على المنافسة، ويعرضهن للتهميش في سوق إعلامي سريع التبدل.

الصحفية العيفا، أوضحت أن الواقع يقول: إن مهنة الصحافة للنساء باتت محفوفة بمخاطر غير مرئية، من ضغط واحتراق مهني وتمييز، وتحرش، وتراجع في فرص التطور، ولكن على الرغم ذلك، تؤكد الصحفية السعودية أن كثيراً من الصحفيات يصررن على البقاء، لأن كل قصة تُروى، وكل ملف يُكشف هو شكل من أشكال إثبات قدرتهن على الصمود في وجه كل التحديات والتطلع بطموحات تتجاوز تلك التحديات المستمرة في طريق النجاح بمهنتهن.

وتضيف: في كل تقرير تكتبه صحفية مهنية لا نقرأ فقط ما حدث، بل نقرأ أيضاً ما لم تُتح لها الفرصة ذكره من ساعات العمل الطويلة والخوف من التهميش، وتجاهل الشكوى وقلق الغد، ومع ذلك تبقى لأنها تؤمن أن الصحافة، رغم كل شيء، ما زالت تستحق أن نحارب من أجلها، مؤكدة أنه وعلى اختلاف مراكز عملها في المؤسسات المطبوعة والمرئية والمسموعة والرقمية، في ظل بيئات العمل المنتشرة في بلادنا العربية، لا يجوز أن يأتي التمكين للصحفية، فقط من دعم عاطفي أو قانوني، بل من بيئة عمل تحترم الصحفية كمهنية، وتمنحها الحماية والفرصة لاختبار قدراتها من دون أن تختبر في كرامتها.

إعادة رسم بيئة العمل الإعلامي

الصحفية اليمنية، روان الحاج، أجملت كل ما سبق ذكره في حديثها لـ”الثورة”: إن الطريق أمام الصحفيات محفوف بالعقبات من تمييز مهني إلى مضايقات خفية وتحرشات مباشرة، إلا أن حضورهن المتنامي في ساحات العمل الإعلامي ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل إصرار، حسب تعبيرها، على البقاء وكسر القوالب النمطية.

وأضافت: الصحفية اليوم لا تكتفي بنقل الحدث، بل تعيشه وتدفع ثمنه مضاعفاً، ومع ذلك تستمر في إثبات أن المهنية لا جنس لها وأن الصوت الصادق لا يخرسه الخوف ولا يقيده التهميش.

وختمت الصحفية الحاج حديثها: في ظل هذا المشهد تبقى الحاجة ملحة لإعادة رسم بيئة العمل الإعلامي بما يضمن للنساء الأمان والعدالة، وفرصاً متكافئة في التمكين والقرار لأن الإعلام لا يكون حراً إلا إذا كانت كل أصواته تُسمع ويُحترم أصحابها على قدم المساواة.

آخر الأخبار
تقرير مدلس.. سوريا تنفي اعتزامها تسليم مقاتلين "إيغور" إلى الصين محافظ السويداء يؤكد أنه لا صحة للشائعات المثيرة لقلق الأهالي  بدورته التاسعة عشرة.. سوريا تشارك في معرض دبي للطيران أحداث الساحل والسويداء أمام القضاء.. المحاكمات العلنية ترسم ملامح العدالة السورية الجديدة وزمن القمع... الاقتصاد في مواجهة "اختبار حقيقي" سوريا وقطر.. شراكة جديدة في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة الرقابة كمدخل للتنمية.. كيف تستفيد دم... إعادة دراسة تعرفة النقل.. فرصة لتخفيف الأعباء أم مجرد وعود؟ منشآت صناعية "تحت الضغط" بعد ارتفاع التكاليف وفد روسي ضخم في دمشق.. قراءة في التحول الاستراتيجي للعلاقات السورية–الروسية وزير الخارجية الشيباني: سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين زيارة الشرع إلى المركزي.. تطوير القطاع المصرفي ركيزة للنمو المؤتمر الدولي للعلاج الفيزيائي "نُحرّك الحياة من جديد" بحمص مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية الطب البشري بعد التحرير خطة إصلاحية في "تربية درعا" بمشاركة سوريا.. ورشة إقليمية لتعزيز تقدير المخاطر الزلزالية في الجزائر    السعودية تسلّم سوريا أوّل شحنة من المنحة النفطية تحول دبلوماسي كبير.. كيف غيّرت سوريا موقعها بعد عام من التحرير؟ سوريا تشارك في القاهرة بمناقشات عربية لتطوير آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية جمعية أمراض الهضم: نقص التجهيزات يعوق تحسين الخدمة الطبية هيئة التخطيط وصندوق السكان.. نحو منظومة بيانات متكاملة