الثورة :
قال تسفي بارئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إن مطلب إسرائيل بإنشاء “ممر إنساني” يربط الجولان المحتل بمحافظة السويداء السورية يمثل آخر عقبة أمام التوقيع على الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل. وأكد بارئيل أن دمشق ترى في هذا الممر انتهاكاً لسيادتها ومحاولة لفصل السويداء وربطها بنفوذ خارجي، ما يعكس طابعه السياسي أكثر من الإنساني، محذراً من أن المشروع قد يفتح الباب أمام تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، إحداها درزية جنوباً وأخرى كردية شمالاً، بما يهدد استقرار درعا ويشجع الأكراد على المطالبة بضمانات إضافية لتحقيق الحكم الذاتي أو الانفصال.
واعتبر أن هذه التطورات وضعت الرئيس السوري أحمد الشرع أمام مأزق صعب، بين رفض الممر وخسارة الاتفاق الأمني مع إسرائيل، أو القبول به والمجازفة بتحويل سوريا إلى كيانات طائفية متجاورة.
ووفق الصحيفة، أوضحت دمشق أنها لا ترى حاجة إلى الممر، وقدمت بدلاً منه خريطة طريق اعتمدت في 16 أيلول/سبتمبر بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة، لتأمين الطريق الرئيسي بين السويداء ودمشق.
ووفق التحليل، تضمنت الاتفاقية المقترحة ضمانات تشمل تشكيل قوة مشتركة من مقاتلي الطائفة الدرزية والحكومة، ولجنة تحقيق دولية في أحداث يوليو/تموز، وتعويض الضحايا، وضمان حقوق الدروز.
نقل بارئيل عن دبلوماسي أردني مطلع على تفاصيل الاتفاقيات أن “الممر مسألة مصطنعة ابتكرتها إسرائيل وبعض قادة الطائفة الدرزية لضمان استمرار نفوذها في الفضاء السوري بعد انسحابها من الأراضي المحتلة”.
ولفت إلى أن الشيخ حكمت الهجري يقود معارضة ضد الحكومة السورية، ويمنع قوافل المساعدات الحكومية من الدخول إلى السويداء، ما يجعله أكثر قرباً من إسرائيل وقناة اتصال رئيسية معها بالتنسيق مع شيخ الدروز في إسرائيل موفق طريف.
اعتبر التحليل أن الأزمة الدرزية جنوبي سوريا تتقاطع مع الملف الكردي شمالاً، حيث علّق القادة الأكراد مفاوضاتهم مع دمشق بعد أحداث السويداء، وهو ما يبرز تأثير أي تنازل حكومي في الجنوب على المطالب الكردية في الشمال، وأشار بارئيل إلى أن الأكراد يملكون قوة عسكرية وميزانيات مستقلة، وأي تنازل حكومي قد يدفعهم للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي بدعم من واشنطن.
بيّن التحليل أن الرئيس أحمد الشرع يحاول إقناع واشنطن بأن الممر يقوّض الاتفاق الأمني، خاصة أنه وافق سابقاً على تعديلات جوهرية في اتفاقية فض الاشتباك عام 1974. وأكد أن الشرع يحظى بدعم من السعودية وتركيا وقطر والإمارات، وهو ما يمنحه غطاءً سياسياً في مواجهة الضغوط الإسرائيلية. ومع ذلك، تصر تل أبيب على موقفها وتعتبر الممر رمزاً لالتزامها التاريخي تجاه الدروز وعلاقتها “الأخوية المبنية على السلاح والدم”.
خلص بارئيل إلى أن “الممر الإنساني” قد يكون أداة لفرض حدود مصطنعة تمهّد لتقسيم سوريا، وليس مجرد ممر مساعدات. واعتبر أن القرار المرتقب للرئيس الشرع سيحدد ما إذا كانت سوريا ستبقى دولة موحدة بسلطة مركزية، أم تتحول إلى فسيفساء من الكيانات الطائفية المفروضة بحدود شبه رسمية.