الاعتماد على الديون حاجة ملحة.. أم أسلوب استجرار للشفقة؟

الثورة – زهور رمضان:

ساد مؤخراً لدى الكثير من المواطنين الذين لا يملكون قوت يومهم، عادة الشراء بالدين “الاستدانة” من المحال التجارية والغذائية على أمل تحسن وضعهم المعيشي، واعدين أصحابها بإيفاء ديونهم بأسرع وقت ممكن، وعلى الأغلب في رأس الشهر المقبل.. وتلك هي العبارة التي كثيراً ما تتردد على لسان الدائنين، أو بقولهم “إن شاء لله عالموسم الجاي ندفع المستحقات ونوفي ديوننا”، في وعدهم لأصحاب المحال أو الأشخاص الدائنين.

الدين بالتقسيط

أبو كامل، الذي اشترى براداً بالتقسيط من أحد المعارض، واتفق مع التاجر على التسديد بالتقسيط، لكن ضيق الأحوال المادية التي مر بها والتي أثرت عليه اقتصادياً ومعيشياً اضطرته لتسجيل باقي المبلغ ديناً عند صاحب المعرض، ولم يتمكن حتى اليوم من تسديد كامل المبلغ المتبقي.

فيما بين الشاب علاء ش الذي اضطر للاشتراك مع جيرانه على شراء مولدة لضخ المياه لخزان بنايته لكن ظروفه الحالية دفعته لاستدانة المبلغ من جاره الميسور، لكنه لم يتمكن من إعادة المبلغ المتبقي بعد تسديد نصف ثمن المولدة لجاره، فيما بقي عليه تسديد النصف الآخر لكن جاره لم يطلب منه إعادة الباقي بل أمهله للتسديد، حسب قدرته المادية ولو وصل المبلغ المسدد لخمسة وعشرين ألفاً شهرياً.

ضغوط مادية

أما إبراهيم إبراهيم، الذي اتكل على أسلوب الاعتماد على الدين شهرياً اعتاد على الاستدانة من زملائه في العمل، فكل يوم تراه يبحث عن دائن بينهم، ويطلب من أحدهم، متنقلاً من مكتب لآخر ليؤمن طبخة يومه، لكنه يتمتع بأمانة ومصداقية فمن يطالب بنقوده من الدائنين، يستدين له على عجل ويعيد له نقوده ليضمن إمكانية الاستدانة منه لاحقاً، مشيراً إلى أنه في بعض الحالات يهرب من وجه الدائن، ليقوم بتغيير طريقه بحيث لا يرى وجهه ويحرجه بطلب نقوده.

بدورها السيدة غزل، تروي بحرقة من عينيها، أن صاحب المحل المجاور لهم صار يفتح دفتر الديون بمجرد أن يلمحها، فهي لا تملك النقود الكافية للشراء، لكن أطفالها الجياع لا يغلقون أفواههم، وعند سؤال صاحب المتجر عن موعد التسديد المتوقع تعده، وتقول له: حالما يصح لزوجي عمل سنعيد لك كل المبلغ المستحق لا تخشى من هذا الأمر.

أما أم مالك- مدرسة لكن دخلها لا يكفي لمصروف عائلتها، ما يضطرها للشراء بالدين من محل الخضراوات، وبعد اختيار الخضرة المطلوبة يسألها صاحب المحل أبو حسين “شو ما بدك تدفعي” فتقول له “لا سجلهم عالدفتر لبعدين”.

توكل على الله

فيما يشير محمود الأسعد، الذي قام بإدانة أشخاص كثر، إلى أن أغلب الناس الذين استدانوا منه المال، هربوا من وجهه واختفى أثرهم، أو لعله تبخر، وخاصة عندما يحين موعد سداد الديون واستحقاق إيفائها، لافتاً إلى أن الشخص المحتاج للدين يذهب ماء وجهه عندما يقترض منك المال، فيما تذل نفسك له إن حاولت استرجاع مالك.

وعند سؤالنا لأصحاب المحال الغذائية التي تقوم بإدانة الزبائن من دون معرفة تاريخ التسديد، يقول أبو عيسى: إن وضع الناس محزن للغاية، وخاصة أصحاب العائلات الكبيرة التي لا تملك دخلاً كافياً لحياةً كريمةٍ، ما يجعلنا في حيرة من أمرنا، إن لم نعينهم ونصبر على ظروفهم، فلن يتمكنوا من إطعام أطفالهم، فلذلك نعتمد على التوكل على الله ونعطيهم حاجاتهم آملين إيفاءنا ثمنها في وقت لاحق.

فيما ضحك أبو حسين- صاحب محل خضراوات، قائلاً: لدي عدة دفاتر للديون، فقد اقتنيت قلماً ومسطرة، وبدأت أنظم جداول بالديون وأوقات استحقاقها من الزبائن المستدينين، وخصصت دفتراً آخر للديون المؤقتة، وآخر للديون طويلة الأمد، ودفتراً للديون الشهرية التي اعتدنا على تسديدها من الزبائن في بداية كل شهر.

وتابع حديثه، مبيناً أن أغلب العائلات أصبحت اليوم تضطر للشراء بالدين، علماً أنهم لا يشترون إلا حاجاتهم الأساسية جداً، فأصحاب المحال باتوا لا يكسبون إلا القليل لأن رأس مالهم يذهب هنا وهناك على شكل ديون للآخرين، هذا فضلاً عن انخفاض القوة الشرائية للمواطنين ما ينعكس سلباً على التاجر والمواطن.

تنظيم الدخل

بهذا الخصوص يذكر الاختصاصي في علم الاجتماع كامل حسن، أن الوقوع في الديون عبء ثقيل على رب الأسرة، لأنها ترهق كاهله، معتبراً أن التخلص منها إنجاز عظيم، لكن التحدي الحقيقي هو أن تبقى حرّاً منها، لأن العودة إلى الديون ممكنة إذا لم يغيّر المواطن من عاداته المادية، مبيناً وجود خطوات بسيطة تساعد رب العائلة على حماية نفسه وأهل بيته من الوقوع مجدداً في فخ الديون مرة أخرى.

وأوضح أن ذلك لا يكون إلا بالتعاون بين أفراد الأسرة جميعاً، واعتماد أسلوب الصدق والصراحة بين الآباء والأبناء، فالكل مسؤولون عن المشكلة القائمة، لذلك من المفروض التخفيف من الطلبات المتكررة التي تثقل كاهل العائلة، والبحث عن فرص عمل مناسبة تساعد في سد مصاريف المنزل، لافتاً إلى أهمية تخصيص مبلغ مالي “مبلغ طوارئ” يودع ضمن صندوق طوارئ يحمي العائلة من الدين عند الحاجة، مؤكداً ضرورة التخطيط لمصاريف العائلة مسبقاً.

ولفت حسن إلى أهمية أن يكون انفاق العائلة أقل من دخلها الشهري لتبقى في منطقة الأمان المالي مهما زاد المصروف، ناصحاً بالتقليل من الشراء بالتقسيط وخاصة في حالة العروض اللحظية، مبيناً أهمية وضع ميزانية شهرية واضحة تشمل الفواتير والادخار والترفيه، لأن الإنفاق المنظم يقلل فرص الوقوع في العجز، ونصح بوضع مهارات تزيد من الدخل، بالإضافة لوضع جزء من المال للاستثمار لكون الدخل الإضافي هو خط الدفاع الأول الأقوى ضد الديون.

آخر الأخبار
اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً ليست مجرد أداة مالية.. القروض المصرفيّة رافعةٌ تنمويّةٌ بعد غياب أربعة أيام.. التغذية الكهربائية تعود لمدينة جبلة وريفها حدائق حمص خارج الخدمة.. والمديرية تؤكد على العمل الشعبي سوريا في صلب الاهتمام والدعم الخليجي - الأوروبي كوينتانا: معرفة مصير المفقودين في سوريا "مسعى جماعي" العمل عن بعد.. خطوة نحو إدارة عصريّة أكثر مرونة "كوتا" باردة في مشهد ساخن.. كيف غابت النساء عنه؟ مشاريع جديدة للطاقة المتجددة.. بين الطموح والقدرة على التنفيذ "منصات التداول".. إغلاق مربك وأموال المتداولين لمصلحة من ذهبت؟ إعفاء المنشآت المدمّرة من الضرائب.. إجراءٌ طبيعيٌّ هنا... حيث تكتب الإرادة مفاضلتها الخاصة تأسيس اتحاد موحد لأصحاب محطات الوقود التفاؤل حذر.. "سويفت" في مواجهة قانون قيصر عودة نظام "سويفت"... هل تُعيد الثقة للمصارف السورية؟ المشروعات البسيطة قادرة على تحرير المجتمعات من أسر الفاقة هل ضعف الثقة المجتمعية بقدرة المرأة وراء تدني نسبة تمثيلها بالانتخابات؟ ضعف تمثيل المرأة يعود لكون الانتخابات جاءت في سياق انتقالي من ميدان الثورة إلى ميدان البناء.. مؤمنة عربو الفائزة الأولى بانتخابات حماة انطلاقة متجددة للصناعة في "الشيخ نجار"