“حبة دوا”.. مبادرة إنسانية تنقذ آلاف المرضى

 

الثورة – ميساء العجي:

في زمن تزداد فيه الأعباء المعيشية، وتغيب القدرة عن كثير من الأسر لتأمين حاجاتها الأساسية، وخصوصاً الدواء، ولدت مبادرة “حبة دوا” في مدينة اللاذقية لتصبح اليوم في جميع المناطق السورية، ولتكون شريان حياة لآلاف المرضى السوريين الذين لم يجدوا طريقاً آخر نحو العلاج.

“الثورة” التقت رجل الأعمال أحمد وليد برو الذي أكد أن فكرة المبادرة تقوم على جمع الأدوية الزائدة من المنازل أو الصيدليات أو العيادات الطبية، وإعادة توزيعها على المحتاجين، مضيفاً: إن “حبة دوا” لا تبيع ولا تتاجر، بل توصل الأمل لمن لم يعد يستطيع شراء الدواء، وخاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة كارتفاع الضغط والسكري والربو وأمراض القلب، إضافةً إلى بعض مرضى السرطان الذين يحتاجون جرعات دورية مكلفة جداً.

من فكرة فردية إلى مبادرة وطنية

يقول برو: إن المبادرة انطلقت في الأشهر الأولى من جائحة كورونا في مدينة اللاذقية، حين توقفت حركة السفر وأغلقت الحدود، وتوقفت عجلة الاقتصاد، ففقد الكثيرون وظائفهم ومصادر رزقهم، في تلك الفترة العصيبة، لم يكن الحصول على الدواء أمراً سهلاً، خاصة مع ارتفاع الأسعار وفقدان كثير من الأصناف من الصيدليات، لذلك كان لابد من حل بديل.

من هنا جاءت فكرة رئيس مجلس إدارة الجمعية السورية الخيرية لأورام الثدي في اللاذقية، الشاب أحمد وليد برو، الذي لم يكن طبيباً بل كان إنساناً رأى الألم حوله، وقرر أن يحوله إلى فعل خير.

وقال برو: تعاونت مع مجموعة من طلاب الصيدلة وأشخاص نشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنشأت مجموعة على “الفيسبوك” حملت اسم “حبة دوا”، وسرعان ما لاقت الفكرة صدى واسعاً بين الناس، إذ بدأت المجموعة تتلقى رسائل من أشخاص لديهم فائض من الدواء ويرغبون في التبرع به، وأخرى من مرضى يبحثون عن علاجهم، موضحاً أنه خلال أسابيع، تحولت المبادرة الصغيرة إلى شبكة إنسانية ضخمة من المتطوعين المنتشرين في مختلف المحافظات السورية.

تنظيم وإنسانية

يوضح برو أن “حبة دوا” تعمل وفق نظام واضح ومنظم، يعتمد على جمع الدواء من مصادر موثوقة، ثم يتم فرزه والتأكد من صلاحيته، لافتاً إلى أن المتطوعين يتولّون فحص تاريخ الإنتاج والانتهاء، واستبعاد أي دواء منتهي الصلاحية أو غير معروف المصدر، كما ترفض المبادرة بشكل قاطع التعامل مع المهدئات أو المسكنات القوية لتجنب أي سوء استخدام.

وبين أنه بعد عملية الفلترة، يتم توزيع الدواء على المستفيدين بطريقتين، الأولى: عبر المجموعة على “الفيسبوك”، حيث تُنشر طلبات الدواء بشكل يومي ويُنسق تسليمها مع المتبرعين، والثانية: من خلال شبكة المتطوعين الميدانيين، الذين يملكون قاعدة بيانات “داتا” بأسماء المستفيدين الدائمين شهرياً، هؤلاء المتطوعون يعرفون احتياجات كل مريض ومواعيد جرعاته، ما يجعل التوزيع أكثر دقة وعدلاً.

دعم لا يُقدّر بثمن

يقول برو: اليوم، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على انطلاق “حبة دوا”، تجاوز عدد المستفيدين الشهريين 2300 شخص في محافظة اللاذقية وحدها، ومثلهم في باقي المحافظات السورية، هذه الأرقام لا تشمل الحالات الطارئة التي تتواصل مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على علاج عاجل.

وأضاف: لم تقتصر جهود المبادرة على توزيع الأدوية فحسب، بل توسعت لتشمل تأمين الأجهزة الطبية مثل أجهزة الأوكسجين، وأسطوانات التنفس، وأجهزة قياس الضغط والسكر، وحتى الكراسي المتحركة لكبار السن وذوي الإعاقة، كما ساهمت في تغطية تكاليف بعض العمليات الجراحية لمن لم يتمكنوا من دفعها.

وبين أنه وخلال كارثة الزلزال التي ضربت سوريا في شباط 2023، كانت المبادرة في الصفوف الأولى من المستجيبين، بالتعاون مع مسبح الوليد في اللاذقية، الذي تحوّل إلى مركز إيواء لأكثر من 400 شخص لمدة تجاوزت 50 يوماً، قامت فرق “حبة دوا” بتأمين الأدوية اللازمة للمتضررين في مختلف مراكز الإيواء بالمحافظة، وأن المبادرة لم تتوقف رغم صعوبة الظروف وانقطاع الطرق والإمدادات، بل أثبتت أن التضامن المجتمعي أقوى من الأزمات.

قلبها النابض

وحسب برو اعتمدت المبادرة بشكل أساسي على شبكة ضخمة من المتطوعين المنتشرين في جميع المحافظات، هؤلاء الأشخاص، من مختلف الأعمار والخلفيات، يعملون بصمت وإصرار، بعضهم طلاب جامعيون في كليات الطب والصيدلة، وبعضهم موظفون وأمهات وربّات منازل، قررن أن يقدمن وقتاً وجهداً لمن يحتاجه أكثر.

المتطوعون لا يجمعون الدواء فحسب، بل يقومون أيضاً بتوصيله إلى منازل المرضى، وخاصة كبار السن أو ذوي الإعاقات، ما يجعل العلاقة بين الفريق والمستفيدين علاقة إنسانية قبل أن تكون عملاً تطوعياً.

هكذا وبعد مرور سنوات على تأسيس مبادرة “حبة دوا”، أصبحت اليوم نموذجاً فريداً في العمل الأهلي القائم على الثقة والتعاون، المبادرة لم تحظَ بدعم مادي كبير من مؤسسات رسمية، لكنها استطاعت أن تستمر بفضل إيمان الناس بها، فكل حبة دواء يُتبرع بها هي في الحقيقة رسالة تضامن، وكل دواء يُسلّم لمريض هو حياة تُستعاد.

وفي هذا الإطار قال أحد المتطوعين: نحن لا نملك ميزانيات ضخمة، لكننا نملك قلوباً كبيرة.

يكفينا أن نرى ابتسامة مريض استعاد علاجه بعد أن فقد الأمل.

تجربة “حبة دوا”- حسب رأي أحمد برو- أثبتت أن الخير ما زال حاضراً رغم قسوة الظروف، وأن المبادرات المجتمعية البسيطة يمكن أن تغيّر حياة الناس حقاً، في بلد أثقله المرض والحرب والفقر، جاءت “حبة دوا” لتقول: إن جرعة الأمل لا تقل أهمية عن أي دواء.

آخر الأخبار
التنمر ضد الطلاب في المدارس.. تأثيراته النفسية والاجتماعية والأكاديمية الشؤون المدنية تواصل تطوير خدماتها في حلب وريفها حياة الركاب في مهبّ الريح.. تدهور واقع النقل العام في حلب الفروج يحلّق بأسعاره.. مطالب ملحة لدعم القطاع قبل فوات الآوان تفعيل خدمة "غير محكوم" في مراكز خدمة المواطن بدمشق أسعار المحروقات تثقل كاهل المواطن وتعمّق الأعباء المعيشية "رحمة بلا حدود".. تؤهل آلاف المقاعد و9 مدارس في درعا غياب المنظومة المصرفية الاستثمارية يعطل نمو الاقتصاد احتياجات ملحة لدعم قطاع سيدات الأعمال.. لتمكين اقتصادي حقيقي التدريب الفندقي.. من التعليم الافتراضي إلى سوق العمل من دمشق.. ريادة النقل الرقمي تسرد قصص نجاح ملهمة الكلمة الطيبة تصنع الفارق.. كيف يغيّر التقدير الصادق بيئة العمل؟ اختراع سوري..جهاز يعالج الخيوط بحبر الغرافين الناقل للكهرباء "حبة دوا".. مبادرة إنسانية تنقذ آلاف المرضى لقاح الحصبة.. الوقاية خير من العلاج بين الركام والنقل.. فرص الاقتصاد الضائعة بين الأنقاض! الجرح الذي لا يُرى.. أزمة الصحة النفسية في سوريا بعد الحرب مديرة تضرب الطلاب بعنف والوزارة تستفيق بعد انتشار فيديو الفضيحة! أهالٍ من معرة حرمة يرممون شبكات الصرف الصحي منظمة الدول التركية تؤكد دعمها لوحدة سوريا واستقرارها